أشهر ثلاثة مرّت والحكومة الموعودة مؤجلة. تعطيل المؤسسات، ولا سيما مجلس النواب المنتخب حديثاً، بسبب تعذّر التأليف، دفع برئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى التفكير في عقد جلسة تشريعية في ظل غياب الحكومة. فكرة، أكد برّي «التريث بها». لكن سرعان ما طرحت علامات استفهام حول دستوريتها وميثاقيتها في حال تغيّب أحد المكونات عنها، كما في تجارب سابقة. ما إن نُقل عن برّي قوله إن «المادة 69 من الدستور واضحة لجهة حق المجلس النيابي بالتشريع في مثل الوضع الذي نحن فيه الآن»، حتّى هبّت بعض الجهات معترضة. أبرزها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي. الأخير قال «عندما ينعقد مجلس النواب بموجب سلطة تشريعية قوية وغياب سلطة تنفيذية بسبب الاستقالة، فذلك يعني خللاً في التوازن». هذا الجدل أعاد البلاد إلى الخلاف نفسه عام 2013 حول «تشريع الضرورة» عندما كانت هناك حكومة تصريف أعمال برئاسة ميقاتي، وكان الرئيس تمام سلام مكلفاً تشكيل الحكومة الجديدة.
آنذاك، شكّل تيار المسُتقبل رأس حربة الاعتراض على التشريع في ظل حكومة مستقيلة. ساند ميقاتي هذه الوجهة، وقيل حينها إن أي جلسة تعقد «لن تكون ميثاقية في غياب مكوّن أساسي عنها (المكوّن السنّي)». اليوم، يعود تيار المُستقبل ليؤكّد عدم دستورية جلسة كهذه، فـ«مجلس النواب عادة يجتمع للتشريع ومحاسبة الحكومة والوقوف عند رأيها، وإذا لم يكُن هناك حكومة، حكماً يعني أن هناك خللاً». وقالت مصادر التيار الأزرق إنها «ليست المرة الأولى التي يحصل فيها تأخير (في التأليف الحكومي). فلمَ محاصرة الرئيس الحريري؟ يقولون إن المجلس يجب أن يجتمع في ظروف طارئة، فأين هي الظروف التي تستدعي عقد مثل هذه الجلسة؟»، تسأل المصادر.
في موقف مشابه عاد مفهوم «تشريع الضرورة» إلى الواجهة في مرحلة الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان. يومذاك، تمسّك الفرقاء المسيحيون برفض التشريع في ظل هذا الواقع، وكأنه استهداف للرئاسة الأولى. لكن هذه الحجة لوضع فيتو على الجلسة في حال تمّت الدعوة اليها، سقطت. هناك اليوم عشرة نواب سنّة من خارج العباءة الحريرية (أي ثلث النواب السنّة). سبعة منهم على الأقل يؤيّدون عقد جلسة تشريعية، ويؤكدون حضورهم لها.
خلال الفراغ الرئاسي، تمسّك الفرقاء المسيحيون برفض التشريع


لا يريد النائب جهاد الصمد التسرّع في اتخاذ موقف. يقول لـ«الأخبار» إن «الدستور أصبح وجهة نظر»، مع التأكيد على «ضرورة تطبيقه بالحرف». يفضّل التدقيق في عدد من النقاط كي «يبني موقفاً سليماً». تلتقي منطلقات نواب آخرين عند نقطتين أساسيتين: «تسهيل أمور الناس، والضغط في سبيل تشكيل الحكومة». برأي النائب فيصل كرامي «لا نصّ دستورياً واضحاً بشأن التشريع في ظل غياب الحكومة، لكن هناك نظريات مختلفة». لكنه يؤيد أي جلسة «من شأنها تمرير الملفات المتعلقة بحياة الناس. فلا يُمكن أن يتخلّى المسؤولون جميعهم عن واجباتهم. ولا يُمكن أن نعطّل دور مجلس النواب حين تكون الرئاسة الأولى والرئاسة الثالثة معطّلتين. البرلمان هو العمود الفقري لعمل المؤسسات، ولا ضيرَ في عقد جلسة تشريعية، فاللجان النيابية تعمل ولا أجد فرقاً بين الحالتين»، رافضاً «تغليف الموضوع بإطار مذهبي». بدوره، يوافق عضو اللقاء الديموقراطي النائب بلال عبدلله على أن «يُمارس مجلس النواب دوره»، مشيراً إلى أنه «لا يجوز ترك البلد، ولا بدّ من الضغط لتشكيل الحكومة». وفي الاجتهاد الدستوري يقول عبدالله «نثق بإدارة الرئيس برّي».
الموقف الرسمي للنائب فؤاد مخزومي مؤيّد أيضاً. قال لـ«الأخبار» إنه «سيحضر الجلسات التشريعية إذا دعا اليها الرئيس بري. صحيح أن الرئيس الحريري ليس محكوماً بوقت معيّن، لكن حاجات الناس المُلحّة لا يُمكن أن تنتظر». وينضمّ النائب عن جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية عدنان طرابلسي الى زملائه المؤيدين لفكرة التشريع، فـ«الرئيس برّي يؤكد أن النص الدستوري يسمح بالتشريع، فلمَ اختلاق جدل حول نص صريح»؟ يسأل طرابلسي، ويقول لـ«الأخبار» إن «عقدها فيه مصلحة للمواطنين»، فيما يشّدد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الوليد سكرية على «ضرورة عقد الجلسة في ظل غياب الحكومة»، لا سيما أن «لا نصّ في الدستور يحدّد مهلة للرئيس المكلف بتأليف الحكومة». حكماً «يجب أن يكون هناك اجتهاد دستوري، فهل نعطّل البلاد عاماً كاملاً في حال استغرق وقت تأليف الحكومة هذه المدة مثلاً».
وفي الإطار نفسه، لفت النائب قاسم هاشم إلى أنه «لم يعُد هناك من إمكانية للحديث عن حصرية الطائفة السنيّة. هناك نواب انتُخبوا بنسبة معينة من الأصوات في القانون النسبي، ولا مجال للانتقاص من الواقع التشريعي».