قبل أن تصل باخرة الكهرباء التركية الثالثة إلى معمل الزوق في كسروان، بعد غد الأربعاء، أُعيد "نبش" موضوع شركة نور الفيحاء في طرابلس التي أسسها الرئيس نجيب ميقاتي لإنتاج الكهرباء، ولتزويد عاصمة الشمال بحاجتها من الطاقة، لكن هذه الشركة بقيت مجرد مشروع على الورق، واستمرت معها طرابلس تعاني من أزمة تقنين حادة تتراوح بين 8 و12 ساعة يومياً.وما أن أعلن وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل أن الباخرة التركية ستسهم بتغذية منطقة كسروان وجزء من المتن وجبيل بما بين 22 إلى 24 ساعة يومياً، حتى أصبح عرضة لحملة سياسية وإعلامية وشعبية في طرابلس، قادها على وجه الخصوص نجيب ميقاتي ونواب ومرشحي كتلته («الوسط المستقل»)، الذين وجهوا انتقادات لوزير الطاقة، سواء لجهة عدم سعيه لخفض ساعات التقنين في عاصمة الشمال، وبالتالي إيلاء الاهتمام إلى مناطق لبنانية محسوبة على فريقه السياسي، أم لجهة إبقاء ملف شركة نور الفيحاء حبيس الأدراج بإيعاز من رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، الذي تتهمه أوساط ميقاتي بأنه «المعرقل الرئيسي للمشروع والمسؤول عن إبقاء طرابلس أسيرة العتمة».
في 18 أيلول 2015، أعلن نجيب ميقاتي في مؤتمر صحافي عن «إنشاء شركة خاصة لتزويد طرابلس بالطاقة الكهربائية، بمبادرة مشتركة من الوزير محمد الصفدي والنائب أحمد كرامي ومني، وبدعم من الفاعليات المهتمة والملتزمة بإنعاش مستقبل هذه المدينة وتنميتها»، مضيفاً أن الشركة «تقدمت من رئاسة مجلس الوزراء بواسطة وزارة الطاقة والمياه بطلب الترخيص لها للقيام بمهمة محددة، وهي تأمين الطاقة الكهربائية بشكل مستدام لمدينتي طرابلس والميناء وضواحيهما».
الآمال المعلقة على الشركة لإنارة طرابلس، ترافقت حينها مع تساؤلات محددة أبرزها الآتي:
أولاً، هل مشروع آل الميقاتي فعلي أم مجرد دعاية لدغدغة مشاعر أبناء طرابلس والميناء المتعطشين للتيار الكهربائي، كما فعل في التوقيت نفسه الوزير السابق أشرف ريفي، وهل كان هدف ميقاتي من وراء ذلك هو الاستثمار وتحقيق أرباح مالية، أم التطلع فعلاً لخدمة المنطقة، ولماذا لم يُقدم على هذه الخطوة إبّان وجوده في رئاسة الحكومة، حيث كان بمقدوره إطلاق عمل الشركة بدل تركها أسيرة التجاذبات، وهل ما لم يفعله خلال وجوده في السلطة سيفعله وهو خارجها؟
ثانياً، هل سيسمح تيار المستقبل في طرابلس والشمال، وتحديداً سعد الحريري، بأن يحصد نجيب ميقاتي وتياره شعبية واسعة من وراء مشروع كهذا، خصوصاً أنه كان سيولد عشية الانتخابات النيابية؟
ثالثاً، هل أن المشروع سيمرّ أم ستجري عرقلته من قبل متضررين مادياً، وعلى رأسهم أصحاب المولدات الخاصة، بما لهم من امتدادات عميقة في السلطة والمؤسسات؟
رابعاً، أين هي مصلحة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من ولادة مشروع كهذا، خصوصاً أنه «يمون» سياسياً على وزارة الطاقة بوجود ممثله أرتور نزاريان فيها؟
سلطان: لا باسيل ولا من هو أكبر منه يستطيع أن يترك طرابلس في العتمة


على مدى ثلاث سنوات، دخل مشروع شركة نور الفيحاء في غيبوبة طويلة، ولم يتطرق أحد إليه إلا بشكل خجول، حتى ظنّ البعض أن النسيان قد طواه كليّاً مثلما طوى مشاريع استثمارية وتنموية بالجملة تتعلق بطرابلس، إلى أن كشف المرشح على لائحة ميقاتي للانتخابات النيابية في طرابلس توفيق سلطان، خلال زيارة قام بها إلى غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس قبل أشهر، عن أن مشروع الشركة نائم في أدراج وزارة الطاقة والمياه بطلب من جبران باسيل، وأنه عندما جرت مراجعة الوزير سيزار أبي خليل بالموضوع ردّ قائلاً: «راجعوا جبران باسيل».
هذه الواقعة، أعاد سلطان، أمس، التذكير فيها في مؤتمر صحافي عقده في منزله بطرابلس، ووجّه خلاله انتقاداً قاسياً إلى باسيل، بقوله: «لسنا أمام ملف كهرباء بل أمام معاقبة بلد»، متوعداً رئيس التيار البرتقالي بالقول: «نحن نقول إن من يريد أن يمس بكرامة طرابلس لم يخلق بعد، ولا يستطيع لا جبران باسيل ولا من هو أكبر من جبران باسيل أن يترك طرابلس في العتمة».
كلام سلطان استدرج سلسلة مواقف لنواب طرابلس. فقد استغرب ميقاتي «إغداق الوعود بالكهرباء على كسروان من بواخر مستأجرة بأعباء على الخزينة، فيما مشروعنا ينام لسنوات في أدراج الكيدية ولا من مجيب. هل تستحق طرابلس هذه العقوبة؟»، بينما رأى النائب جان عبيد أنه «لا يجوز ولا يصح أن تقفز الكهرباء بين المناطق والمحافظات، وتظهر كأنها مكافأة لأفرقاء وعقوبه لأفرقاء آخرين»، كما نشر النائب فيصل كرامي، عبر حسابه على «تويتر»، صورة سوداء بالكامل، وأرفقها بتغريدة: «ليست خلفية سوداء، ولا صورة لمنزل مظلم، هي حال وحقيقة معظم مناطق لبنان المحرومة من الكهرباء وخصوصاً الشمال، وسكانها يسددون فواتير النور في العتمة».
هؤلاء قالوا كلمتهم ومشوا، ماذا بعد؟
العتمة مستمرة وهناك من يقول: «وافق مجلس إدارة مصلحة قاديشا على المشروع، ورفع موافقته إلى وزارة الطاقة، لكن القرار السياسي باستمرار التعتيم على أهل طرابلس ما زال مستمراً».