قرار نقل الباخرة «إسرا سلطان» إلى معمل الزوق الكهربائي صار نهائياً. وهي سترسو الأربعاء في الحوض التابع للمعمل، على أن تبدأ الاستفادة منها خلال أيام. لكن في المقابل، فإن ما خلّفته وراءها في الجنوب من غضب، لا يزال مستمراً، وإن بوتيرة أقل، على رغم سعي حركة أمل وحزب الله لامتصاصه، واضطرار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد للخروج بتسجيل مصوّر، غير مسبوق، يحاول فيه تهدئة الناس، والإعلان في الوقت نفسه عن براءة حزب الله من دم الباخرة التركية التي غادرت الزهراني.بعد إقفال ملف باخرة الزهراني «من فوق»، واستمرارها مادة للنقاش بين الناس الغاضبين، كثّف حزب الله وحركة أمل من جهودهما لرفع مستوى التغذية بالتيار الكهربائي في الجنوب، عبر التواصل مع وزارة الطاقة لزيادة ساعات التغذية (يقوم عضو كتلة الوفاء النائب نواف الموسوي بالتنسيق لهذه الغاية مع وزير الطاقة سيزار أبي خليل). وتعتمد هذه الجهود على كون ربط الباخرة على الشبكة في الزوق يمكن أن يؤدي إلى تخفيف الضغط عن معمل الزهراني، ما يسمح بزيادة حصة الجنوب من إنتاجه. أما المطلوب، فهو على الأقل، إعادة معدل التغذية إلى ما سبق أن أعلنته مؤسسة كهرباء لبنان، أي 287 ساعة تقنين في الشهر (وصلت ساعات التقنين في الفترة الماضية، لأسباب متعددة، إلى 513 ساعة شهرياً).
وعلى رغم أن زيادة التغذية هي المطلب الأول للجنوبيين، كما كل اللبنانيين، إلا أن وزير الطاقة فضّل حرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية، من خلال إبداء حرصه على مشاعر الجنوبيين، أما أقصر الطرق لتأكيد هذا الحرص، فكان تغيير اسم الباخرة التركية من «عائشة سلطان» إلى «إسرا سلطان». هكذا ببساطة، اعتقد الوزير أن مشاكل الجنوبيين مع أداء الوزارة ولامبالاتها بحاجاتهم، يمكن تسخيفها إلى حد الإيحاء، «وفهمك كفاية» (على ما قال)، أن اسم الباخرة هو المشكلة!

حزب الله مع الباخرة
ليس سراً أن حزب الله لم يعترض على رسو الباخرة في الزهراني، وهذا ما أكده النائب محمد رعد أيضاً، لكنه فضّل وضع هذا الخيار خلف ظهره بمجرد رفضه من قبل حركة أمل. الحزب كان أعلن موقفه هذا منذ الخامس من تموز الماضي. إذ بعد زيارته الوزير سيزار أبي خليل في مكتبه، أعلن النائب نواف الموسوي أن «وزير الطاقة أطلعنا على مشروع لإمداد طاقة إضافية للجنوب من خلال رسو باخرة في الزهراني، مما سيزيد ساعات التغذية ساعتين إضافيتين يومياً، لتنخفض ساعات القطع إلى مئتي ساعة (من 287 ساعة)». كذلك اعتبر الموسوي حينها أن «رسو الباخرة في الزهراني، سيخدم في تخفيف التقنين في فصل الصيف ووقت الذروة».
أمل وحزب الله لزيادة التغذية في الجنوب والاستفادة من وجود الباخرة في الزوق


في الأيام التي تلت، تواصل الموسوي مع وزير المال علي حسن خليل، فأبلغه الأخير رفض الحركة للأمر، كي لا يسجل عليها موافقتها على مبدأ البواخر، وكي لا يؤدي رسوها في الزهراني إلى إعاقة مشاريع تطوير المعمل، وكي لا تتحول الأشهر الثلاثة إلى سنوات، كما حصل في الباخرتين الحاليتين الراسيتين في الزوق والجية منذ سنوات، حيث لم يتحقق بوجودهما أي تقدم على صعيد المشاريع المستدامة (المعامل تحديداً).
على هامش جلسة انتخاب اللجان النيابية، في 17 تموز الماضي، وبعد أن كان تقرر تغيير وجهة الباخرة من الزهراني إلى الجية، أعاد الموسوي طرح الأمر على علي حسن خليل، لكن الأخير أكد رفضه للفكرة. في اليوم التالي، أعاد خليل التأكيد لزميله الموسوي، على هامش لقاء الأربعاء النيابي، أن هذا هو الموقف النهائي للرئيس نبيه بري، فكان أن أقفل ملف رسو الباخرة في الزهراني.
اللافت للانتباه أن شركة «كارباورشيب» المالكة للباخرة، قد أصدرت بياناً في اليوم نفسه، تعلن فيه أن «باخرة ESRA SULTAN ستحطّ رحالها قبالة معمل الجية جنوب بيروت في 18 تمّوز الجاري في شكلٍ موقت، وذلك بعد أن تمّت تهيئة كافة البنى التحتية اللازمة لرسوّ السفينة ووصلها بمعمل إنتاج الطاقة (في الجية)».
على رغم كل الشروحات التي قدمتها حركة أمل عن أسباب رفضها ترسية الباخرة في الزهراني، فقد ظل الشارع ناقماً على موقفها، وسط استمرار انتشار رواية غير دقيقة تشير إلى أن الباخرة كانت ستؤدي إلى أن ينعم الجنوبيون بكهرباء 24/24. حتى الاعتصام الذين نفذته حركة أمل أمام معمل الزهراني، بحضور علي حسن خليل وعدد من النواب والمسؤولين الحركيين، بدا ضعيفاً في ظل المشاركة الشعبية المحدودة والخطاب الذي تخلله والذي لم يُسمع صداه أبعد من أبواب المعمل في الزهراني!
خطأ حركة أمل يكمن في أن الرفض المبدئي لخيار البواخر، تحول إلى رفض مناطقي لرسوها في الزهراني حصراً، فيما المبدئية كان يفترض أن تترجم بالإصرار على تنفيذ قرار مجلس الوزراء حرفياً، أي رفض بقاء الباخرة ليوم واحد زيادة عن الأشهر الثلاثة المفترضة. علماً أن هذا كان موقف حزب الله أيضاً في نقاشاته مع مسؤولي الحركة. الأخطر أن مسؤولي أمل يسلّمون أن الباخرة باقية كأمر واقع بعد انتهاء مدتها وهم يبنون على هذه الفرضية موقفهم الحالي. كما يوحون بذلك إلى أن لا مشكلة من مخالفة القانون وبقاء الباخرة في لبنان، لكن المشكلة تكمن في بقائها في الزهراني تحديداً. هذا ليس موقفاً مبدئياً، ولا يساهم في معركة تكريس الحلول المستدامة لأزمة الكهرباء، والتي لا تبدو واحدة من أولويات «وزارة البواخر».
أبعد من قضية الباخرة «ESRA SULTAN»، يعتبر أحد المؤيدين لموقف الحركة أن الخلاف الفعلي هو بين منهجين، منهج يطالب بحلول مستدامة لأزمة الكهرباء، من خلال إعطاء الأولوية القصوى لخيار المعامل، على أن يتزامن رفع التعرفة مع انتهاء عصر المولدات، ومنهج يسعى إلى رفع التغذية تدريجاً بالتزامن مع زيادة التعرفة تدريجاً أيضاً، وفي شكل اعتباطي، لا يعتمد على معطيات علمية للزيادة، ولا يلغي الاعتماد على المولدات.