منذ ما قبل الانتخابات النيابية، يراكم حزب الكتائب، مأزقاً تلو الآخر، الى أن سُدّت كل الطرق في وجهه. كان ثمة «ضوء» في هذا النفق عنوانه «النفايات»، لكن سرعان ما خطفته النائبة بولا يعقوبيان، بانسحابها أولاً من جلسة اللجان النيابية المشتركة الأخيرة؛ وكان أن لحق بها الجميل الى الخارج ليجلس على يمينها خلال المؤتمر الصحافي. الا أن المجموعات المدنية التي تمثلها اليوم يعقوبيان لن تفرش طريق رئيس حزب الكتائب بالورود، لا سيما أنها جرّبته سابقاً في موضوع مطمر برج حمود، حين تركها وسط الأزمة ومشى. فالمجموعات التي رفضت على الاثر وضع يدها بيد سامي خلال الانتخابات النيابية لألف سبب وسبب، لن تهرول لتسليمه دفة القيادة، بعد أن بات هناك من يوصل صوتها من قلب البرلمان. والواضح أن يعقوبيان ومن يحيط بها يغردون منفردين، ومن دون أي تنسيق مع الجميل الذي نصّب نفسه سابقاً رأس حربة في وجه خطة النفايات والمحارق والمطامر.لا خندق يتمترس حزب الكتائب خلفه، اليوم، ولا مشروع سياسياً أو إنمائياً أو اجتماعياً جدّياً عند الحزب. الأهم أن الحزب يفتقر إلى الموقف السياسي الواضح الذي يقود إلى تحالف سياسي: كتلة الرئيس نجيب ميقاتي الوسطية لا تتقاطع مع الكتائب في أي قضية، فيما علاقة الصيفي بـقوى 14 آذار تحتضر. على المقلب القواتي، لا ثقة بسامي الجميّل، وحتى في حال حصول اتصالات بين الحزبين، «ثقتنا به معدومة».
أما الرئيس سعد الحريري، فلم تكن صلته يوماً بالسوء الذي بلغته اليوم مع القيادة الكتائبية. كان يمكن إزاء ذلك التعويل على انفتاح التيار الوطني الحر على الكتائب، خصوصاً بعد سقوط اتفاق معراب. بدأت الاتصالات بمبادرة من الرئيس أمين الجميّل. غالباً ما يتحرك الأخير لانتشال نجله من الحفرة التي يُوقع حاله فيها عند كل منعطف سياسي رئيسي. وأخيراً، دقّ الأب كل الأبواب، من رئيس الجمهورية ميشال عون، إلى الحريري، وصولاً إلى الكويت والسفارة الأميركية. استعمل الوالد الورقة السعودية، من دون أن ينجح في إقناع الرياض بتبنّي تمثيل الكتائب في الحكومة الجديدة بالطريقة نفسها التي تتبنّى فيها مطالب سمير جعجع ووليد جنبلاط. سرعان ما أفسد الابن كل جهود أبيه، وأعاد إيصاد الأبواب في وجه حزبه، فأخرج نفسه من المولد الحكومي بلا حمص.
ومع إصرار التيار الوطني الحر على معيار تمثيل كل أربعة نواب بوزير، قُطعت الدروب التي تؤدي بسامي إلى طاولة السراي الكبير، ولا سيما بعد أن اقتنع العونيون باستحالة الوثوق برئيس الحزب، لا بل يذهبون إلى حدّ القول إن النائب المتني «غير مظلوم ولا مستبعد ولا محاصر. لكن يجري التعامل معه وفق نتيجة الانتخابات النيابية التي حددت أحجام القوى السياسية مسيحياً». بهذا المعنى، الكتائب سعرها معروف: «نائبان»، ولكن بمعزل عن لعبة الأحجام «لا أحد منا يثق بسامي».
طرق أمين الجميّل أبواب السعودية ليحصل على مكاسب لسامي فخاب أمله


لا يتعلق الأمر اليوم بشخص سامي، بل بدور الكتائب في المعادلة اللبنانية. دور حزب كان دائماً في قلب السلطة. الحقيقة أن الحزب العتيق فقد دوره ويصعب عليه استعادته أو أن يجد لنفسه دوراً أو صورة جديدة. أثبتت الانتخابات النيابية الأخيرة أن له محله خارج السلطة، ولكن المشكلة تكمن في أن الرأي العام لا يقبض سامي المعارض، الأمر الذي تنبّه إليه الكتائبيون، فبدأوا تحركات رديفة بحثاً عن مجد ضائع. ومنذ انحسار مساحة حضور سامي الجميّل في الإعلام، غداة الانتخابات، بدأ مستشار الجميّل، قائد القوات اللبنانية السابق فؤاد أبو ناضر، والأمين العام نزار نجاريان، عقد اجتماعات مناطقية مع القاعدة الحزبية، حيث لمسا حجم التعطش الحزبي إلى من يلتفت إليهم ويستمع إلى آرائهم. الرجلان يستكملان الاجتماعات لإعادة لمّ شمل الشباب والسعي إلى استمالة قواتيين من منطلق أنهما (أبو ناضر ونجاريان) يمثلان نبض القوات الفعلي ويحملان قضية بشير الجميّل، بعكس ما يدّعي رئيس حزب القوات سمير جعجع، لكنهما حتى الآن لم ينجحا سوى في استقطاب قدامى القوات ومن كانوا يدورون في فلك ايلي حبيقة.
انفتاح حزبي على أطياف جديدة تعامل معه سامي الجميّل بإيجابية، في البداية، ولكن سرعان ما استشعر أن هناك من يشاركه السلطة أو يريد أن تفلت الأمور من بين يديه. لذا، هناك من يقول إن سامي أمام خيارين: إما تحجيم أبو ناضر ونجاريان ودفعهما إلى الاستقالة، أو العضّ على جرحه وتسليم القيادة لهما علهما ينجحان في المكان الذي فشل فيه، خصوصا أن الجميّل يعاني من أزمة جدية تتعلق بمستشاريه، الأمر الذي يفرض عليه إجراء مراجعة شاملة لتركيبة الحزب. فألبير كوستانيان، أحد أبرز المقرّبين من رئيس حزب الكتائب الذي رافقه من أيام حزب «لبناننا» الى الكتائب بعد تعيينه مستشاراً، بات اليوم خارج أسوار الحزب، كما تقول المصادر الكتائبية. وتضيف أن كوستانيان «متّهم بتسريب داتا الماكينة الانتخابية الى رئيس مجلس إدارة lbc بيار الضاهر، الأمر الذي يفسّر الحديث عن استعداده لتقديم برنامج سياسي في المحطة قريباً»، فيما علاقة الجميل بمستشاره الثاني سيرج داغر تحكمها البرودة بعد ترشيح سامي للنائب الياس حنكش في المتن الشمالي بدلاً من داغر. أما نائب الأمين العام باتريك ريشا، الذي شغل خلال الانتخابات النيابية منصب مسؤول الماكينة الانتخابية، فقدم استقالته من منصبه نتيجة الانتقادات التي وجّهت إليه جرّاء إصراره على التحالف مع المجتمع المدني الذي خذل الكتائب ورفض مشاركته لوائحه. وهؤلاء حتى الأمس القريب كانوا ملائكة سامي وظله.