هو «يوم تاريخي». هكذا وصف مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر وصول باخرة الحاويات الصينية الضخمة CMA CGM nerval إلى مرفأ طرابلس يوم الجمعة الماضي. هذه الخطوة، «ستجعل المرفأ محورياً في حركة النقل البحري، وليس مجرد مرفأ رافد»، في مجال النقل والترانزيت والتجارة عبر البحار.الباخرة العملاقة الأولى من نوعها بهذا الحجم الضخم ترسو في مرفأ طرابلس منذ تأسيسه رسمياً في عام 1952، يبلغ طولها 300 متر، وعرضها يصل إلى 40 متراً، وحملت على متنها قرابة ألف حاوية محمّلة بمختلف البضائع، مصدرها موانئ في أندونيسيا والصين.
لم يعد الخط البحري المباشر بين شرق آسيا وعاصمة الشمال اللبناني مجرد حلم. صار واقعاً ملموساً. الاحتفاء بوصول الباخرة المملوكة من شركة فرنسية إلى مرفأ طرابلس، لم يقتصر على الإدارة والعاملين بالمرفأ والتجار والمصدّرين والمستوردين، بل امتد إلى السياسيين الذين تجمعهم مصالح مشتركة من شركات عاملة في المرفأ وموظفين، ومشاريع مستقبلية يستعدون لاغتنامها والاستفادة منها، وتحديداً تيار المستقبل وتيار العزم اللذين مثلهما عدد من نوابهما وشخصياتهما في استقبال الباخرة.
مصالح الجانبين وغيرهما في تطوّر مرفأ طرابلس لم تعد خافية على أحد في المدينة. فالرئيس نجيب ميقاتي يُعدّ شريكاً رئيسياً في شركة «غولف تاينر» التي استوردت رافعات ضخمة من الصين وأسهمت في رفع مستوى الحمولة والتفريغ في المرفأ إلى مستويات قياسية لم يعرفها من قبل. وتيار المستقبل يفترض أن المنطقة الاقتصادية الخاصة التي عيّن وزيرة المال السابقة ريّا الحسن على رأس مجلس إدارتها، ستبيض له ذهباً في السنوات المقبلة!
لكن الطرفين، أي ميقاتي و«المستقبل» وغيرهما، يتطلعان إلى دور ريادي سيقوم به مرفأ طرابلس في ورشة إعادة إعمار سوريا المنتظرة، على رغم أن الجميع يضمرون هذا الهدف ولا يجاهرون في الحديث عنه لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، ولكن الملاحظ أن معظمهم تعامل مع وصول الباخرة العملاقة على أنها «بروفه» أولية لهذا «الغرض الإستراتيجي».
أضخم باخرة ترسو في مرفأ طرابلس منذ تأسيسه رسمياً عام 1952


من الأدلة على ذلك أن قرابة ثلث الحاويات التي كانت على متن الباخرة CMA CGM nerval قد جرى تفريغها في مرفأ طرابلس لوقت قصير (ترانزيت)، قبل أن تنتقل بواسطة بواخر أقل حجماً إلى ميناء اللاذقية السوري، كون حوضه أقل عمقاً من مرفأ طرابلس (12 متراً اللاذقية و15.5 متر طرابلس)، كما أن قرابة نصف الحاويات الأخرى نقلت إلى مرفأي دمياط والإسكندرية في مصر للسبب عينه، كون الباخرة المذكورة يبلغ عمقها 14.2 متر، ووجدت في مرفأ مدينة طرابلس غايتها المنشودة.
الاعتماد على مرفأ طرابلس في ورشة إعادة إعمار سوريا يستند إلى وقائع أبرزها أن مرافئ سوريا، وفق تقديرات غير رسمية يُتداول بها في أوساط عاملين في حركة التجارة البحرية في طرابلس، غير قادرة على استقبال أكثر من 15 مليون طنّ من البضائع سنوياً، بينما هي تحتاج في سنوات إعادة الإعمار الأولى إلى قرابة 40 مليون طنّ سنوياً، ما سيدفع أغلب الشركات التي ستعمل في سوريا إلى اعتماد مرافئ مجاورة لها، ومرفأ طرابلس يأتي على رأس هذه القائمة.
كل ذلك يدفع مدير المرفأ أحمد تامر للتأكيد أن مرفأ طرابلس «سيتحول بعد فتح الخط البحري بين لبنان والصين إلى مرفأ محوري للترانزيت في الحوض الشرقي للبحر المتوسط»، ويشير إلى أنه كل 10 أيام تقريباً «ستصل إلى مرفأ طرابلس باخرة من هذا النوع محمّلة ببضائع إلى السوق اللبنانية، أو ببضائع سيتم نقلها إلى دول أخرى، على أن يكون مرفأنا محطة ترانزيت».
تامر الذي لفت إلى أن «تطوّر حركة المرفأ أسهمت في تفعيل حركة التجارة والأسواق في طرابلس، وجذب استثمارات وفتح المجال أمام فرص عمل»، يُعوّل على «تطويل الرصيف الحالي للمرفأ من 600 متر حالياً، إلى 1050 متراً وفق مشروع توسعة مرتقب في السنوات الثلاث المقبلة ينتظر البدء بتنفيذه»، معتبراً أن رصيف الحاويات الحالي «يكفينا مبدئياً، خلال هذه الفترة، لكن يفترض توسعته لاحقاً، وكذلك زيادة عمق حوض المرفأ من 15.5 متر حالياً إلى 17 متراً، وهو ما نطمح إلى تحقيقه في المرحلة المقبلة».