هل ارتكب الذين كلفوا الرئيس سعد الحريري خطيئة كبرى؟ وهل خطيئتهم كانت أنهم وثقوا بالرجل «اكثر من اللزوم»، وخصوصاً الرئيس العماد ميشال عون الذي التزم الحريري حياله بـ«ميثاق التسوية» الرئاسية التي كانت تقضي بأن يترافق الرجلان من بداية العهد حتى نهايته متضامنين متعاونين لما يخدم مصلحة لبنان. ثم جاء «الميثاق الأخلاقي» الذي نتج من «تحرير» الحريري من الأسر السعودي، فجعل الرئيس الحريري مَديناً للرئيس عون مدى الحياة.ماذا حصل بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على التكليف؟
لا حكومة جديدة في الأفق المنظور، وثمة من يتحدث عن انقلاب الحريري على التسوية، وتنكره لما فعله رئيس الجمهورية من أجل تحريره. هنا، يحق لنا أن نتساءل : ألم يكن الذين كلفوا الحريري تأليف الحكومة وبلغ عددهم 111 نائباً يدركون أن ثمة حاجزين يحولان دون التأليف، الأول، نتائج الانتخابات التي منحت الأكثرية للفريق المتحالف مع حزب الله، والتي يريد طرف داخلي له امتدادات خارجية، أن يعطّل مفعول هذه النتائج بشتى الوسائل، سواء باحتكار التمثيل والمعاندة فيه، أو بمحاولة اختراع معايير للتوزير مناقضة لتلك التي أفرزتها الانتخابات، الأمر الذي وضع الحريري في إحراج قد يحمله على تجاوز التسوية الرئاسية وإنجاز تحريره، في ما يبدو أنه أسر جديد له، ولكن هذه المرة داخل بلده. أما الحاجز الثاني، فهو موضوع العلاقات مع سوريا الذي جاء بمثابة «شحمة» على فطيرة.
وهنا يطرح سؤال آخر: ألم يكن الفريق المتحالف مع حزب الله يدرك أن العنصر المؤثّر على التأليف، الى حد تعطيله مرتبط بتطورات الميدان السوري واستعادة دمشق نفوذها في المحيط، وخصوصاً في لبنان، وتالياً اضطرار حزب الله الى ترجمة الانتصارات التي حققها في سوريا على الأرض اللبنانية في مواجهة الأطراف الساعية الى تعطيل مفاعيل نتائج الانتخابات بفرض شروط على مشاركة ممثلي الحزب في الحكومة كوضع فيتو على تسلمهم وزارات معينة؟
فعلا، إننا أمام عهد يكاد معطلوه أن يطرحوه بالمزاد العلني بغية تصفيته، بعدما أحرق منه قرابة ثلثه.

العلاقات مع سوريا بين الرفض والتسرّع
إن الصورة التي قدمها الحريري الى الآن هي رفضه التأليف إذا كان سيربط بالعلاقات مع النظام السوري الحالي، وقد نصحه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل أيام بألا يتسرّع في اتخاذ مواقف من العلاقات مع سوريا قد يضطر غداً الى التراجع عنها، في وقت يتردد في بعض الأوساط أن السعودية، بوصلة الحريري في الموضوع السوري، تحاول عبر أطراف خارجيين جس نبض النظام السوري بإمكان الوصول إلى تفاهم معيّن معه بعد اعترافها بفشلها في محاربته، وهي تبدو كأنها تطلب نوعاً من هدنة، يليها اتفاق سلام بين الطرفين برعاية روسية بعد تصميم حليفها الأميركي على الخروج من المستنقع السوري بعد معالجته مسألة العلاقة بين دمشق والأكراد، في ظل النظام السوري الجديد الذي يجري التفاوض حوله.
إن الرئيس الحريري، الذي يجد نفسه أسير نوعين من العقبات، عليه تذكّر الظروف التي اضطرت والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في عهد الرئيس إميل لحود الى الاعتذار عن عدم التأليف وتكليف الرئيس سليم الحص تأليف الحكومة.
ان كرامة الرئيس الحريري واحترامه للموقع الذي يٌدعى الى شغله كممثل لمكوّن رئيسي في الوطن، يجب أن يدفعاه الى الاعتذار الإيجابي عن التكليف، بمعنى التعاون مع الرئيسين عون وبري في اختيار الشخصية السنية التي لا تستفز أحداً وتكون قادرة، بتأييد ودعم من الرؤساء الثلاثة، على العبور بالبلاد الى بر الأمان الاقتصادي والمالي والاجتماعي، بما فيها قضية النازحين، انتظاراً للظروف المحلية والإقليمية التي تساعد الحريري على العودة الى السرايا الكبيرة. فمن يدري، ربما تعيد الولايات المتحدة والسعودية «تلزيم» لبنان لدمشق، بعدما أثبتت الطبقة الحاكمة فيه عجزها عن التفاهم على إدارته تطبيقاً لاتفاق الطائف الثلاثي الذي خبز على صاج مشترك بين دمشق والرياض وواشنطن، على أن تكون العاصمة السورية «مربط خيله».

الاعتذار المخرج الوحيد المتاح
وإننا لننصح الرئيس الحريري بالإسراع في قرار الاعتذار، رأفة بالبلاد والعباد، وإننا على يقين من أنه إذا ما تصوّر نفسه في فترة تأمل أتاحتها له إجازة عيد الأضحى، يسأل والده الشهيد رفيق الحريري عن سبيل الخروج من المأزق الذي يواجهه، فإن نصيحة الوالد تكون بالاعتذار، وهو الذي نصحه سابقاً بإنهاء مرحلة «التشرُّد» وعقد الخناصر مع الزعيم المسيحي الأقوى العماد ميشال عون الذي كان هو سيتحالف معه لولا اغتياله، وهناك شهود على ذلك. على أن يكون اعتذاره منسّقاً مع الرئيسين عون وبري، ولا يلقي بالبلاد في أتون نار الأزمات، ويكون مشروطاً بألا يٌحكم لبنان من دمشق. نقطة على السطر.