الذكرى الأولى لتحرير السلسلة الشرقية في 26 آب 2017، كانت مُناسبة ليتحدّث فيها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله عن ذكرى «التحرير الثانية» (بعد تحرير جنوب لبنان، في أيار 2000، من الاحتلال الإسرائيلي)، متناولاً الوضع اللبناني الداخلي، وموجهاً رسالة إلى «كلّ» أهالي منطقة البقاع. هذه المنطقة التي كانت على تماسٍ مُباشر مع الخطر التكفيري، فاختار حزب الله مدينتها الهرمل ليُنظّم فيها مهرجان «شموخ وانتصار»، احتفالاً بتحرير «صنعته المعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة»، على حدّ قول نصرالله، فضلاً عن دور الجيش السوري من الداخل السوري.خمس عِبر عدّدها نصرالله، أولها «سرعة اتخاذ القرار من أهل المنطقة، ومعهم المقاومة في التصدي للجماعات الإرهابية، داخل الأرض اللبنانية أو السورية». الموقف الداعم لحزب الله، «حتّى من الذين كانت أحزابهم في موقعٍ آخر، لأنهم كانوا يرون الخطر أمام أعينهم، الذي لم تكن تراه قيادتهم التي تسكن في أماكن بعيدة». في المقابل، كانت الحكومة اللبنانية «مرتبكة ولم تستطع أن تتخذ قراراً». ولكن الأهم، أنّ التحرير الثاني ما كان ليتحقق، «لولا انتصارات الجيش السوري في كلّ المنطقة المحيطة بلبنان».
العبرة الثانية المُستخلصة، هي «استجابة الشباب اللبناني وشباب المقاومة لهذه المعركة». رأى نصرالله أنّ هذه النقطة أساسية للتوقف عندها، «لأنّه يجب أن نعرف قوتنا لنتكئ عليها... في كلّ المعارك، كان عنصر الشباب وحضوره هو الأساس»، وأكّد أنّه الآن «إذا أردنا أن نتخذ قرار المشاركة في أي عملية كبرى جديدة في سوريا، سوف نجد أنّه تكفي شبابنا الإشارة».
العبرة الثالثة، تكمن في «التأييد الشعبي الكبير لهذا الخيار». في بيئة المقاومة، كانت الناس تُصرّ على المشاركة، «لم يكتفوا بإرسال أولادهم، بل خبزهم ومونتهم والكشك والمكدوس والقاورما. هذا قيمته في الاحتضان، ومن الأمور التي يُبنى عليها للحاضر والمستقبل». وكانت هذه النقطة مُناسبةً، ليُطمئن خلالها نصرالله إلى الوضع المادي لحزب الله، «ما زلنا في خير، وسنبقى بخير إن شاء الله، على رغم كلّ العقوبات».
التجربة الجديدة لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، هي العبرة الرابعة من معركة الجرود. شرح نصرالله كيف أنّ «الناس احتضنوا المعركة، والجيش على رغم ارتباك الحكومة والقرار السياسي الرسمي، أثبت حضوراً وقدّم تضحيات وشهداء». هذا كان في المعركة ضدّ «جبهة النصرة». أما حين تقرّر الانتهاء من «داعش»، كان الوضع الرسمي قد تغيّر، «وانتُخب فخامة الرئيس ميشال عون، وشُكّلت حكومة جديدة، واجتمع مجلس الدفاع الأعلى واتخذ القرار بتنفيذ فجر الجرود. دخل الجيش وأثبت أنّه قادر على إلحاق الهزيمة بالإرهابيين التكفيريين».
في الشأن السوري، قال نصرالله، إنّ «كلّ المعطيات تشير الآن إلى تحضيرات جديدة لمسرحية كيميائية في إدلب، لغاية شنّ عدوان على سوريا فيما يسكت عن الجرائم التي تُرتكب بحق أطفال اليمن».
في الشأن اللبناني، بدا نصرالله حريصاً على نفي كلّ ما يُقال عن أنّ «لبنان بات يحكمه حزب الله، وأنّ حزب الله يسيطر على الدولة، ولا يُتخذ أي قرار من دون موافقته، وقال: «هذا الكلام له هدف تحميل حزب الله مسؤولية كلّ الأوضاع القائمة في لبنان، والتي لا يتحمّل فيها مسؤولية، أو ممكن أن يكون يتحمل جزءاً من المسؤولية». وأضاف أنّه «نحن أكبر حزب سياسي نعم، ولكن أقلّ حزب سياسي يُمارس السلطة». كما أنّ نصرالله دحض ما يُشاع عن أنّ الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحرّ «يُنفذان ما يمليه عليهما حزب الله». فالعلاقة القائمة بين حزب الله «وفخامة الرئيس، كانت ولا تزال وتعززت، هي علاقة ثقة واحترام متبادل. لا أحد يملي توجهاته على الآخر». واعتبر نصرالله أنّ الهدف من ذلك «استهداف فخامة الرئيس والتيار (الحر) في العالم».
نصرالله: حين تنتهي الحرب في سوريا والعراق، سيكبر الاستحقاق الأمني


بالنسبة إلى تشكيل الحكومة، «ما زلنا نراهن على الحوار الداخلي، ولكن الوقت يضيق بوجود الوضع المالي في البلد، والتطورات في المنطقة، والاستحقاقات المقبلة». وشدّد على أنّه لا ينبغي «طرح عقد جديدة، مثل العلاقة مع سوريا. لا أحد اشترط شيئاً. والبيان الوزاري نُناقشه بعد تشكيل الحكومة». وسأل نصرالله: «هل مصلحة لبنان أن يعود النازحون بأمان وكرامة؟ كيف؟ إذا فُتح معبر نصيب، ألا تقتضي المصلحة الوطنية أن تُفتح المعابر لنقل المنتجات اللبنانية؟ ما البديل لديكم؟ حتى في التنسيق الأمني، الأجهزة الأمنية الأوروبية، تسعى لفتح علاقات مع الأجهزة الأمنية السورية. نحن بلد مجاور، حين تنتهي الحرب في سوريا والعراق، سيكبر الاستحقاق الأمني».
ووجّه نصرالله رسالة إلى جمهور المقاومة، طالباً منهم «الحفاظ على التحالف العميق بين حزب الله وحركة أمل وكل القوى السياسية التي تؤمن بمحور المقاومة، فهو أهم ردّ على العقوبات الأميركية لكي نتمكن وإياكم من أن نواجه كل محتل وأن نصنع كل انتصار».
وخصص نصرالله حيزاً من خطابه في الهرمل لملّف البقاع، أمنياً وإنمائياً وسياسياً. أولاً، فأكد أنّ «ما وعدنا به في الانتخابات النيابية، نعمل على متابعته وإنجازه. تأخير تشكيل الحكومة مؤثر جداً، وعدم اللجوء إلى تشريع الضرورة مؤثر جداً. ولكن نحن نُحضّر». وكشف أنّه خلال اللقاء الأخير بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه برّي، «تحدّثنا في مجموعة مواضيع، على رأسها كان البقاع، واتفقنا أنّ الأولوية هي له». وقال إنّ تشكيل مجلس إنماء بعلبك الهرمل، «قيمة وجوده أنّه أصبح هناك إطار قانوني رسمي، يمكن لاحقاً أن نستجلب له القروض والهدايا». وشدّد على أنّ «الإنماء في البقاع يحتاج إلى التعاون مع الجميع، وبالخصوص الثنائي المقاوم حزب الله وحركة أمل».