العنصريّة تجسيد للغباء البشري في أبشع مظاهره! لكن مهما بلغت دركات الانحطاط على كوكب الأرض، فإن العنصريّة اللبنانيّة ستبقى في موقع الصدارة، ومرتبة التفوق. هيّا، اتصلوا بـ«غينيس» رجاء! عنصريّة تمتلك نكهتها الخاصة، وتصنع فرادتنا «الحضاريّة»، وتميّزنا عن العالم أجمع. وفي هذا الـ«لبنان» اللطيف إيّاه، إذا اقتربنا أكثر، فسنجد أن غباء اليمين الانعزالي، يمثّل حالة متقدّمة في زمننا المسكون بالوباء الأصفر… لقد تفوّق فاشيّونا على اليمين المتطرّف في فرنسا، مهد حقوق الانسان. يتعالى حاليّاً صراخ المذعورين في بلد فولتير، لأن Médine مغني الراب الفرنسي، المغاربي الجذور، سيحيي أمسيتين في الـ«باتاكلان» (19 و20 تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل). سبب الغضب أن تلك الصالة الباريسية العريقة شهدت قبل ثلاث سنوات مجزرة بشعة وفظيعة، ارتكبها مستلبون لا علاقة لهم بالاسلام، بل بالقهر والجهل والتخلف والفقر والتهميش. جريمة الـ Bataclan الهمجيّة تجد جذورها في التواطؤ الفرنسي الطويل مع الانحطاط الوهابي، وفي سياسات الاقصاء الداخليّة لأبناء المهاجرين، وفي السياسات الاستعمارية لفرنسا: من فلسطين إلى سوريا، مروراً بليبيا التي ما زالت هامة «معمّرها» وملايينه الملطّخة بالدماء، تخيّم على ضمائر الفرنسيين وقاعات محاكمهم. مع ذلك، فإن المطلوب معاقبة المغني «ميدين» لأنّ ابن الضواحي الفرنسي يجاهر بهويّته الاسلامية! وبعدها، نقرأ في اعلامهم عناوين من نوع: «أما زالت فرنسا قادرة على «انقاذ إدلب؟». لتنقذ فرنسا نفسها من التهلكة، وما حدا قدها!لكن لنعد إلى «بلد العسل والبخور». لبنان الذي تضربه اليوم ويلات العصر مجتمعة: الفقر الزاحف والأميّة المتفشية والتعصّب الأعمى، والطائفية كوليرا الروح، والحروب الكامنة، والأزمات الاقتصادية المرشّحة للتفاقم، والليبراليّة المتوحّشة المستبدة بنا بلا حسيب ولا رقيب، وتأكّل البنى التحتيّة والمؤسسات، وفساد الطبقة الحاكمة الذي لا يضاهيه إلا فساد الأكل والدواء والماء والهواء، ناهيك بالأمراض على أنواعها… لبنان هذا لا يملك إلا أن يهرب من كوابيسه إلى العنصريّة والخوف، فيرمي بمصائبه على «اللاجئ السوري». «رهاب الغريب» عينه، كما في المسرح الرحباني: أهل القرية كانوا بألف خير، لكن «الغريب» يأتي كل مرّة ويكسر «الجرّة»!
خبر موقع Mtv وقع علينا بالأمس كالصاعقة. تعليقاً على تقرير لوزارة الصحّة يفيد بارتفاع معدّل الإصابة بالسرطان في لبنان، بنسبة 5،6 في المئة خلال العام الحالي، تبرّع موقع آل المر بتفسير هذه الظاهرة المقلقة، بمساعدة «طبيب مختص» طبعاً. هناك أوّلاً «أزمة النفايات (…) وتلوّث البحر المتفاقم». هذا سبق خطير، نشكر عليه الموقع السيادي التنويري. أما السبب الثاني الذي أورده الموقع لتفسير تفشي الأمراض الخبيثة في جسد الشعب، فيشكّل سبقاً صحافياً وعلمياً بامتياز. أيتها السيدات والسادة، إعلموا أن «الالتهابات المتزايدة بفعل تكاثر النازحين السوريين في لبنان تتسبّب بشكل غير مباشر بمرض السرطان». أجل، فهؤلاء «بسبب الظروف السيئة التي عانوا منها مرغمين» (شكراً على الرأفة الانسانيّة)، «يأتون ببكتيريا خطيرة قد تخلق الأمراض لدى الإنسان». مزحة هاذية لا تخطر في بال عباقرة الكوميديا الساخرة!
ماذا لو كانت تلك الصورة البشعة التي نسقطها على الآخر، كل مرّة، إنما تعكس الوحش القابع في لاوعينا، وتجسّد بشاعتنا وبؤسنا وافلاسنا؟ فظيع البلد الذي يمكن أن ينشر فيه خبر مقيت من هذا النوع من دون محاسبة. فظيع الشعب الذي يمكن أن يقرأ مثل هذه الترهات القاتلة ولا ينهال بالأحذية على ناشريها. فظيع اعلام آل المرّ الذي يرطن بالفرنسية والانكليزية، وقد جعل من «العنصريّة» بضاعة مربحة، يصور تقاريره في القواعد الاسرائيلية، ثم يحورب مراسلوه أمام الكاميرات بأعلام النصرة التي تقطر بدماء جنودنا! حتى مسؤولية «السرطان» يرميها على كاهل اللاجئين السوريين، وفي الوقت نفسه ينكر عليهم، هو والقوى «الوطنيّة» و«السيادية» التي يعبّر عنها، حق العودة الآمنة الكريمة إلى بلادهم. هل من المجدي أن نطلب محاسبة الموقع المذكور؟ أم نكتفي بأن نبصق بوجه محرر الخبر، ورئيسه ورئيس رئيسه، والمصرفي المتأسرل الذي يموّل برامجه السياسيّة… ونقول لهم: أنتم السرطان الفعلي الذي يضرب جسد الأمّة؟
وإذا كانت العلاقة وطيدة عبر التاريخ، بين العنصريين والعملاء، فليس من المستغرب أن نكتشف مزيداً من «البطولات» و«الابطال» على صفحة «القوات اللبنانيّة» في جزّين! ها هي الأقنعة تسقط عن قوى سياسية أوحت لنا مراراً بأنّها تابت، وعادت إلى حضن الوطن. بل انها تمضي وقتها في اعطاء اللبنانيين دروساً في الوطنيّة والسيادة… مواقع مختلفة تناقلت صورة «الشهيد» الذي تحيي ذكراه صفحة القوات الجزّينية. #حكاية_بطل_اسمو سليم ريشا الذي «استشهد لنحيا». هذا الشخص الذي أرادته «القوات» رمزاً لشهدائها، ليس إلا أحد القياديين في «جيش لحد»، وكان مسؤولاً عن تجنيد العملاء. نذكر بين أولئك «المجندين» المدعو ش. ق. جاسوس داتا الاتصالات في شركة «ألفا»، وقد اعترف العام 2012 بتجنيده على يد «البطل» «الشهيد» سليم ريشا الذي اعدمته المقاومة العام 1997، في أرضنا المحتلة.
لقّحوا أبناءكم وبناتكم ضد السرطان الفعلي الذي يضرب لبنان: إنّه سرطان الطائفيّة والعنصريّة والعمالة لـ«إسرائيل»…