مراجعة مستعجلة تبتّ مصير ما تبقى من السور الروماني في مدينة بيروت: إما وقف تفكيكه من قبل إحدى الشركات العقارية وانتصار حق الناس العام والحفاظ على القليل الذي تبقى، أو استكمال التفكيك وما يتبعه من تشريع لـ«خصخصة» الملك العام و«شرعنة» التدمير على شاكلة ما حصل لمواقع أثرية أخرى، بموافقة صريحة من المسؤول المباشر، أي وزارة الثقافة. لا خيار ثالثاً هنا، ولا شيء اسمه «تفكيك» إلى أجَل ومن ثم «إعادة دمج». فما فكّك، انتهى أثره ولا يمكن إعادته كما كان في الأصل.أيام قليلة تفصل قبل تثبيت أحد الخيارين، وهي المدّة الزمنية التي يفترض أن تحمل جواب مجلس شورى الدولة على مراجعة مستعجلة (رقم 140/2018) تقدّمت بها المحامية فداء عبد الفتاح، ومجموعة «حركة الشعب»، في وجه المستدعى ضدّهم: الدولة ــــ وزارة الثقافة ومسؤول الحفريات في المديرية العامة للآثار المدير العلمي للحفرية الدكتور جورج أبو ديوان والشركة المالكة للعقارbeirut digital district و«شركة العرب للمقاولات». وتطلب المراجعة الوقف النهائي لأعمال «تفكيك» ما تبقى من السور الروماني على العقار رقم 740 في منطقة الباشورة (راجع «الأخبار» 3573 تحت عنوان «تدمير منهجي يمحو تاريخ العاصمة»). ولفتت عبد الفتاح إلى أن «الدولة ــــ وزارة الثقافة تبلّغت قرار رئيس غرفة قضاء العجلة، القاضي هنري خوري، الذي أمهل بموجبه المستدعى ضدهم 24 ساعة (تنتهي الثانية ظهر اليوم) لتزويده بالأجوبة المطلوبة».
لا شيء اسمه «تفكيك» للآثار ثم «إعادة دمج» وما فُكّك سابقاً انتهى

هذه المراجعة تأتي بعد خمسة أيام على جواب قاضي أمور العجلة على العريضة المقدمة من الجهة نفسها في وجه المستدعى ضدهم أنفسهم، والتي طلبت «وقف تدمير موقعٍ أثري على العقار 740 في منطقة الباشورة، بيروت». وهو الجواب الذي كان بمثابة «مؤشر الأمل الذي يقول لنا إن القضاء لا يزال بخير»، على ما تقول عبد الفتاح.
في الخطوة الأولى، قال قضاء العجلة كلمته، مصدراً قراره بوقف أعمال الحفر الجارية في العقار لمدّة ستة أيام، مفسحاً المجال أمام الجهة المستدعية للتحضير لمراجعة واضحة أمام مجلس شورى الدولة. كما قضى بتكليف «المستدعى بوجهها مالكة العقار بإبداء ملاحظاتها وبيان ما إذا كانت تحوز على التراخيص اللازمة لأعمالها، لا سيما لناحية تفكيك الآثار الموجودة في الموقع». وعلّل القاضي قراره بـ«الضرر المحدق بالموقع الأثري ومنعاً لاستمراره وحفظاً للحقوق». وقد بدأ سريانه نهار السبت الماضي، بعدما رفضت الشركة التبلغ في اليوم نفسه لصدوره، فواصلت عملية التفكيك والهدم، رغماً عن القضاء، على قاعدة أن ملّاك العقار أقوى من القضاء في البلاد التي تدار بالغلبة السياسية. في نهاية الأمر، صدر القرار. لكنه يبقى منقوصاً ما لم يستتبع بآخر يحمل صيغة «الحكم النهائي باسم الشعب اللبناني». ولئن كان قرار العجلة يعدّ إنجازاً في مثل هذه القضايا، لكونه يبتّ بأمرٍ مستعجل يحتوي الضرر لأمدٍ محدّد، إلا أنه لا يضمن الحماية بالمطلق، خصوصاً أن مصير السور الروماني معلّق، اليوم، على ما قد يصدر عن غرفة «قضاء عجلة» في مجلس شورى الدولة.
بالعودة إلى المراجعة، تنطلق الجهة المستدعية من حقيقة ثابتة، وهي أن عملية تفكيك الآثار وإعادة دمجها في المشروع بعد إنتهاء العمل به هي الخطوة الأولى نحو زوال هذه الآثار. وتسوق في هذا الاطار أمثلة عدة، منها سبق الخيل (العقار رقم 170) والمسرح الروماني (العقار 155) والميناء الفينيقي والعقار 10075 الذي صار، وفق نظرية «التفكيك والدمج»، ملكاً للمشروع العقاري الذي نشأ على أنقاضه.
قضاء العجلة أوقف تفكيك السور في انتظار قرار «الشورى»


اليوم، في حال لم يصدر قرار إيجابي عن مجلس شورى الدولة، سيستحيل السور الروماني خلفية أنيقة للمشروع التجاري الذي تقوم به شركة «بيروت ديجيتال ديستركت». لا أكثر ولا أقل. خلفية ستزيد من نسبة الأرباح التي ستجنيها الشركة من «صيت» السور، وقد أصبح ملكها!
وانطلاقاً من التجارب الفاشلة، تتضمن المراجعة، حفاظاً على ما تبقّى، مطالبة صريحة بوقف نهائي للأعمال التي بدأت بقرار من وزير الثقافة غطاس خوري، سمح بموجبه بتدمير ما بقي من هوية لإقامة مشروع تجاري. كما تسأل المراجعة عن غياب الملف العلمي للحفرية الذي يفترض أنه من اختصاص المديرية العامة للآثار، ويفنّد الآراء العلمية في «إباحة» التفكيك، وما يستتبع ذلك من شرحٍ لآلية الدمج، فكيف ستعمل الشركة العقارية على الدمج في غياب هذا الملف؟ وكيف سيتم إعادة وضع السور؟ وبأي طريقة؟
وثمة نقطة أخيرة، تتعلّق بالمرسوم الهجين رقم 3057، الصادر عن وزير الثقافة السابق روني عريجي، حول «تنظيم آلية التدخلات الميدانية الأثرية التي تقوم بها المديرية العامة للآثار في مجال الحفريات الوقائية والإنقاذية». فهذا المرسوم كان أصل الأزمة التي «شرعنت» أعمال التفكيك والدمج بلا أسس علمية تراعي قدسية الآثار، وتحديداً المادة 17 منه التي تضع مصير المكتشفات الأثرية وقرار تفكيكها ودمجها بيد وزير الثقافة واقتراح المدير العام للآثار!
هذا المرسوم الصادر عام 2016 أباح ــــ قانوناً ــــ قتل هوية بيروت، وكان سبباً في انتهاء مكتشفات أثرية عامة لتصبح ملكاً خاصاً، وهو سيكون موضوع المراجعة المقبلة للجهة المستدعية للطعن فيه.