استُدعي عدد من المواطنين للتحقيق لدى مديرية الجمارك على خلفية فيديو مُهين انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأُجبر بعضهم على توقيع محاضر ضبط. تولّى الاستدعاء المدير العام للجمارك بدري ضاهر، وعناصر من المديرية، وأحياناً سائق المدير العام. أشرف ضاهر شخصياً على التحقيق مع المستدعين، بحثاً عن المصدر الذي نشر الفيديو وزجّ باسمه فيه. ضاهر مستاء ويشعر بالإهانة، لكن هل يحق له تحصيل حقّه بيده؟ وزيرا العدل والمال ومصادر قضائية وأمنية يؤكدون أنّ المدير العام يخالف القانون وينتحل صفة الضابطة العدلية متجاوزاً القضاء.وردت اتصالات من مجموعة مواطنين مقيمين في لبنان والخارج إلى «الأخبار» تُفيد عن قيام عناصر من مديرية الجمارك باستدعائهم للتحقيق على خلفية تداول ونشر فيديو مهين رُبِطَ كذباً باسم المدير العام للجمارك، بدري ضاهر. بضعة متصلين ذكروا أنّ المدير العام للجمارك شخصياً اتّصل بهم واستدعاهم للتحقيق. وآخرون أرسلوا تسجيلات صوتية تُبيِّن أنّ سائق المدير العام اتصل بهم، طالباً منهم القدوم للخضوع للتحقيق بشأن مصدر الفيديو. تحدثت مصادر عن استدعاء العشرات (يراوح الرقم المتداول بين ٢٠ و٤٠ شخصاً). وتحدث أحدهم عن أنّ المستدعين أُلزموا بالتوقيع على «محضر ضبط بإهانة المدير العام للجمارك». كذلك ذكر أحد المتّصلين أنّ المدير العام أرسل تسجيلات صوتية (بعضها بات موجوداً في حوزة «الأخبار») لأحد الأشخاص الموجودين في ألمانيا (ع. ع.)، بعدما اتهمه ضاهر بتداول الفيديو عبر تطبيق «واتساب». ولما ردّ ع. ع. بأنّه محا كل رسائل «واتساب» عن هاتفه، طلب ضاهر منه إرسال هاتفه بالبريد إلى لبنان لمحاولة استعادتها، على أن يُرسل هاتفاً بديلاً له. وذكر آخر أنّ ضاهر اتّصل به وأبلغه أنّه سيُوقَف في المطار أثناء عودته إلى بيروت إن لم يُخبره بمصدر الفيديو. فهل يحقّ للمدير العام للجمارك أو مديرية الجمارك فتح تحقيق واستدعاء مواطنين من دون الرجوع إلى القضاء؟
لقد أُهين المدير العام للجمارك بدري ضاهر، بمجرّد زجّ اسمه في فيديو مُهين انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وتداوله الآلاف عبر تطبيق الواتساب الهاتفي. ادّعى الرجل أمام القضاء ضد مجهولين بجرائم التحقير والقدح والذمّ. أحال القضاء ملف التحقيق على مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية الذي بدأ التحقيق لتحديد الجهات التي تقف خلف نشر الفيديو. غير أنّ ضاهر فتح تحقيقاً موازياً. اتّصلت «الأخبار» بالمدير العام للجمارك للاستفسار عن «التحقيق الموازي» الذي يُجريه والسؤال عمّا إذا كان قد خابر القضاء، لكنّ الأخير ردّ بأن لا حاجة لذلك، لكونه يُجريه تحقيقاً في «مخالفة جمركية». سُئل ضاهر عمّا إن كان نشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يُعتبر مخالفة جمركية، فردّ بأنّ «إهانة عنصر جمركي هي مخالفة جمركية، فما بالك بإهانة المدير العام للجمارك؟». لكن مهلاً، فإهانة عنصر جمركي تُعد مخالفة جمركية إذا كانت في معرض أداء الوظيفة فقط! غير أنّ ضاهر ردّ: «ما أقوم به قانوني مئة في المئة، وقانون الجمارك يُبيح لي إجراء التحقيق، وليذهب المشتكي إلى القضاء للادعاء عليَّ إن كُنت أخالف القانون». يستند ضاهر إلى نص المادة 311 من قانون الجمارك التي تنصّ على «أن الشتائم والإهانات والتهديدات والمعاملات السيئة، التي تستهدف موظفي الجمارك، والمعارضات وخلق الاضطرابات، أثناء قيامهم بالوظيفة، تعرض مرتكبي هذه الأعمال وشركاءهم للعقوبات المنصوص عليها في المادة 362». لكنه يُغفل أنّ إهانة موظف الجمارك تبيح العقوبة مشروطة بأن تكون «أثناء قيامهم بالوظيفة». اتّصلت «الأخبار» بوزير العدل سليم جريصاتي، لاستيضاح قانونية ما يجري، فعلّق وزير العدل، قائلاً: «إنّ نشر الفيديو المسيء ليس مخالفة جمركية». شرح جريصاتي «ماهية المخالفة الجمركية وصلاحيات الضابطة الجمركية استناداً إلى قانون الجمارك»، مؤكداً أنّه سيتابع القضية ليتقصّى إن كانت هناك إشارة قضائية تبيح للمدير العام للجمارك استدعاء المواطنين بهذا الشكل، لكنه أشار إلى أنّه «نتيجة اجتماعات متكررة، اتّفقنا على أن لا يدخل أي جهاز على عمل جهاز كُلِّف، قضائياً، إجراءَ التحقيق». وتحدث جريصاتي عن «استهداف مشبوه وممنهج لمراكز حسّاسة في الدولة بات يتكرر في الآونة الأخيرة».
وزير المال سيستدعي المدير العام للجمارك لوضع حد لما يجري


هل انتحلت مديرية الجمارك صفة الضابطة العدلية؟ وهل يحق لها، من دون إشارة القضاء، استدعاء المواطنين لاستجوابهم والتحقيق معهم؟
مصدر قضائي أكّد لـ«الأخبار» أنّ «أحداً من أفراد الضابطة العدلية لا يُمكنه مباشرة تحقيق، خارج إطار الجريمة المشهودة، من دون مخابرة النيابة العامة وإشرافها والتقيد بإشارتها»، مشيراً إلى أنّ «إجراءات الجناية المشهودة أصلاً تنتهي خلال مهلة ثمانية أيام. والفيديو نُشر منذ أكثر من ثمانية أيام، ما يعني انتفاء الجناية، علماً أنّ نشر فيديو كهذا يُعدّ جنحة في كل الأحوال ولا علاقة له بعمل الجمارك». ليس هذا فحسب، لا يجوز أصلاً، ولو كان ضاهر مديراً عاماً للجهاز، الإشراف على التحقيق بنفسه، بما أنّه الطرف المتضرر. ولفت المصدر القضائي إلى أنّ تدخّل ضاهر وإشرافه على التحقيق يضرب مبدأ حيادية الضابط العدلي. وسأل القاضي: «لنفترض أنّ ضاهر أمسك بناشر الفيديو واعترف الأخير بأنّه نشره بدافع الحقد الدفين عليه، فماذا سيفعل؟ هل يمكنه توقيفه أصلاً من دون إشارة القضاء؟».
وتجدر الإشارة إلى أن المادة ٣٨ من قانون أصول المحاكمات الجزائية حددت أشخاص الضابطة العدلية على سبيل الحصر من دون ذكر موظفي الجمارك بينهم. غير أنّ المشرّع ذكرهم في المادة ٣٩ إلحاقاً، لكن ضمن حدود اختصاصهم ووفقاً للأنظمة المنوطة بهم فقط. وبالتالي، لا يمكن أن يكونوا ضابطة عدلية إلا في الجريمة الجمركية.
أضف إلى ذلك أنه غاب عن بال ضاهر أنّ الأجهزة الأمنية ليست صاحبة سلطة، بل ذراع تنفيذية للسلطة السياسية وذراع عدلية للسلطة القضائية لتنفيذ إشارتها فقط (الضابطة العدلية تعاون النيابة العامة وتلتزم قراراتها خلال التحقيق، ولا يجيز القانون توقيف أيٍّ كان أو استجوابه من دون إذن قضائي)، علماً أنّ الجمارك ليس جهازاً أمنياً، بل مديرية عامة تابعة لوزارة المالية. اتّصلت «الأخبار» بوزير المالية علي حسن خليل، الذي قال إن أي شكوى لم تصله بهذا الخصوص بعد، لكن موقفه انسجم مع وزير العدل بـ«عدم جواز إجراء أي تحقيق من دون إشارة القضاء». وإذ لفت إلى أنّ أحداً من الجمارك لا يمكنه استدعاء أي مواطن من دون إذن القضاء وإشرافه، أكّد أنّه سيستدعي ضاهر لوقف ما يجري. وذكر وزير المال أنّ «ضاهر طلب مني الإذن للادعاء أمام القضاء، فأعطيته الإذن ليدّعي لتحصيل حقّه بواسطة القضاء، لا لتحصيل حقه بنفسه».