واحدة أخرى ترحل، تاركةً خلفها مصيراً معلّقاً وحسرة. بعد أسابيع قليلة من الموت الذي ساق أمينة الحصري الشرقاوي، والدة المفقود أحمد الشرقاوي، رحلت أم مفقود آخر، ومعها سيرة ابنها: بهيجة بو حمدان، والدة المفقود ابراهيم زين الدين.الأربعاء الماضي، نامت «أم ابراهيم» تحت صورة بِكرها. حاول ابنها زاهر إيقاظها صباح اليوم التالي، فلم تستفق. «ماتت أمي»، يقول، آسفاً لرحيلها حزينة على ابنها المفقود، من دون أن تعرف له أثراً. لكن، مع ذلك «ارتاحت»، بعدما بقيت 36 عاماً تسأل عن ابراهيم.

في السنوات الأربع الأخيرة، فقدت ذاكرتها كلياً. لكنها، في صحوات الذاكرة، كانت تستدير صوب صورة ابنها المعلّقة فوق رأسها وترفع يديها قائلة «الله الله». و«في آخر أيامها، فقدت القدرة على الكلام، لكنها كلما تذكّرت ابراهيم كانت ترفع يديها إلى السماء كأنها تناجي الله».
أربع سنواتٍ فقط «سهت» فيها عن ابنها. أما ما سبقها، وهي 32 عاماً، فقد عاشتها في سيرة ابراهيم الذي خطفه جيش الاحتلال الإسرائيلي في تموز 1982. كانت تترك قريتها غريفة الشوفية كل يوم جمعة إلى بيروت للمشاركة في اعتصامات أهالي المفقودين للمطالبة بحقهم في معرفة مصير أبنائهم. واظبت على «تلك النزلة» إلى أن خانها بصرها وبدأت ذاكرتها تتدهور. قبل ذلك، دخلت «أكثر المعتقلات والسجون الإسرائيلية بحثاً عن قلبها المكسور (…) ولم تترك جمعية أو مؤسسة أو جهة حزبية، من دون أن تقرع بابها بحثاً عن بصيص أمل أو خيط رفيع يوصلها بابنها»، يقول أحد أقربائها. أما الدولة، التي لم تفعل شيئاً من أجل حل قضية المفقودين، فقد عملت على تخفيف «الهدر»، من خلال قطع راتب ابراهيم الذي كان مدرّساً ثانوياً، بعدما كانت أمه تعتاش منه.
رحلت أم ابراهيم، وبعدها سترحل أخريات، فيما مشروع القانون لا يزال بلا إقرار. هذه مكافأة الدولة لأمهات المفقودين.