أطاح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بالمفتّش العام العميد جوزيف كلّاس. لم يعد كلّاس الضابط الأعلى رتبة الذي يُدير المؤسسة الأمنية بالوكالة عند غياب رأس مؤسسة الشرطة. عدّل عثمان التعليمات العسكرية وأصدر مذكّرة تُفيد بأنّ من يتولّى مهام المدير العام بالوكالة عند غيابه، لأي سبب كان، هو الضابط الأعلى رُتبة «الذي يخضع لسلطة المدير العام». هذه الجملة التي أضافها عثمان حرَمت كلّاس من أن يكون «مديراً عاماً بالوكالة»، ومن المخصصات المالية المتأتية من هذا المنصب. والسبب أنّ كلاس، بصفته مفتشاً عاماً لقوى الأمن الداخلي، يخضع لوزير الداخلية وليس المدير العام. وعليه، أُحيل منصب المدير العام بالوكالة إلى قائد القوى السيّارة العميد فؤاد الخوري.هذه الخطوة جاءت على خلفية النزاع المحتدم في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي، بسبب قرار تمديد أمر فصل الضباط الذي تفرّد عثمان باتخاذه بعد رفض مجلس القيادة تجديده. هذا الأمر الذي عدّه أعضاء مجلس القيادة تجاوزاً لصلاحيته وتخطّياً لهم. لذلك فقد رفض بعض قادة الوحدات تعميم قرار المدير العام على قطعاتهم. أما الآخرون فقد وجدوا أنفسهم مرغمين على تعميم قرار عثمان، خوفاً من العودة إلى «تشكيلات» الضباط في العام ٢٠٠4 التي صدرت في عهد المدير العام الأسبق اللواء علي الحاج، وهي آخر «تشكيلات» قانونية أصدرتها قيادة المديرية.
قرار الفصل لم يعد الخلاف الوحيد الذي يُشعل مجلس القيادة، ولا تفرّد عثمان ببعض القرارات ضارباً بعرض الحائط صلاحيات المجلس. مطلبٌ آخر استجد لدى عدد من قادة الوحدات: «إعادة حقوق المسيحيين في قوى الأمن». يُطالب قادة الوحدات المسيحيون بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين على صعيد قطعات قوى الأمن. قائد الدرك مروان سليلاتي والمفتّش العام جوزيف كلّاس هما رأس الحربة هنا. أما صاحب الفكرة التي أوجدت الصحوة المسيحية في قوى الأمن فهو وزير الخارجية جبران باسيل الذي أوكل إلى النائب أسعد درغام جمع الضباط القادة من المسيحيين لمتابعة هذا الملف عن كَثب. وقد خلُص الضباط المعترضون إلى هذه النتيجة بعدما وجدوا أنّ نسبة المراكز التي يتبوّأها ضباط مسيحيون تبلغ قرابة ٤٠ ٪ في مقابل ٦٠٪ للضباط المسلمين. وينطلق قادة الوحدات في موقفهم من ما يسمونه «مظلومية مسيحية»، على اعتبار أن انتفاضتهم في وجه المدير العام مردها إلى أن الأخير «يظلمنا في بعض القرارات». يُعطي أحدهم مثالاً: سرية المقر العام كان يتولاها دوماً ضابط مسيحي برتبة عقيد. أما بعد تولي عثمان إدارة المديرية، فقد جيّرها لضابط مسلم برتبة نقيب (رامي شقير). هنا بدأ مدٌ وجزر على صعيد المطلب المستجد. اقترح المدير العام على الضباط المعترضين المبادلة في المراكز. أي أن يُعيّن ضباط مسيحيون في جميع المراكز التي يشغلها ضباط مسلمون. وعلى سبيل المثال، يُصبح على رأس مفرزة ضاحية بيروت الجنوبية ضابطٌ مسيحي ويتولّى مفرزة جونية ضابطٌ مسلم. ويُستبدل رؤساء الفصائل المسلمين في عكار بضباط مسيحيين ليُعيّن ضباط مسلمون في كسروان والبترون، وهكذا دواليك في جميع المراكز.
وجد بعض قادة الوحدات أنفسهم مرغمين على تعميم قرار عثمان خوفاً من العودة إلى «تشكيلات» 2004

رُفِض هذا الطرح من قبل الضباط المعترضين. فُضّ الاجتماع على أمل التوصّل إلى صيغة تُرضي الجميع. عُقد اجتماعٌ آخر. طرحٌ جديد جرى التقدّم به. المناصفة داخل الفصيلة الواحدة. على سبيل المثال، فصيلة برج البراجنة وفصيلة الغبيري وطريق الجديدة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ضباطاً وعناصر. وعلى رغم أنّ هذا الطرح «يعزز اللّحمة الوطنية» (هذا التعبير الأبله استُخدِم في نقاشات مجلس القيادة)، رفض الضباط المعترضون هذا الطرح أيضاً. قدموا لائحة بالمفارز والفصائل التي يريدون أن تكون من حصة المسيحيين. تجدد الخلاف ولم يصل المختلفون إلى أي حل. الأزمة في المديرية تكاد تكون أزلية. فمنذ العام 2006، ينقسم مجلس القيادة على خلفيات طائفية ومذهبية وسياسية، ولم يتمكّن أحد من حلها. المجلس عاجز عن ممارسة أبرز صلاحياته، أي «أمر النقل» (توزيع الضباط على القطعات). ولأجل ذلك، تُمدَّد قرارات الفصل المؤقتة، من قبل المدير العام، بذريعة «تسيير المرفق العام». حتى في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، الأزمة «أزمة نظام» لا مشكلة إدارية وحسب. يبدو جلياً إثبات القوى السياسية / الطائفية الراعية لأعضاء مجلس القيادة والوصية عليهم، أنها قاصرة عن إدارة شؤون البلاد. فآخر «أمر نقل عام» صدر برعاية اللواء الراحل رستم غزالي.