­­­لبنان رهينة ضياع السلطة، لكنه أيضاً رهينة المافيات.كما هي الحال مع مافيات الأسواق المالية، والأسواق العقارية، ومافيات الأدوية والمستشفيات والاتصالات والتعليم، هناك مافيا كبيرة، تمتد جذورها عميقاً في مؤسسات النظام اللبناني، بكل طبقاته الرسمية والمالية والسياسية والطائفية، وصولاً الى مافيات الأحياء حيث تنتشر المولدات.
إنها مافيا النفط في لبنان!
صحيح مئة في المئة، أن تأخير تأليف الحكومة له انعكاساته على كل شيء في إدارة شؤون الناس، بمعزل عن كفاءة هذه الطبقة في رعاية أمور البلد. لكن الصحيح، أكثر، أن مرحلة تصريف الأعمال ليست بالأمر المضرّ لمصالح الطبقة الحاكمة، حيث الانتفاع يعمل بنجاح منقطع النظير، وبرقابة أقل. فكيف تكون الحال مع المافيات التي لا تتوقف محرّكاتها عن العمل لحظة واحدة؟
في الأيام القليلة الماضية، دخل لبنان مرحلة التعتيم التدريجي. ليس الحق على الطبيعة أو على عطل في المعامل أو في شبكة التوزيع. هذه المرة، الحديث يدور حول أكبر عملية ابتزاز تتعرض لها الدولة واللبنانيون على يد شركات تجارية ربحت من جيوب اللبنانيين مليارات الدولارات خلال العشرين سنة الماضية، وهي مستمرة في مصّ دماء الناس، مستفيدة من مافيا السلطة المعطِّلة لحصول الناس على خدمة طبيعية للكهرباء، وبأسعار مشابهة لما يجري في كل العالم.
في ظلّ عدم تأليف الحكومة، وعدم وجود علاج قانوني، باتت مؤسسة كهرباء لبنان في حالة صعبة إزاء تراجع موجوداتها المالية التي تتيح لها شراء كميات الفيول المطلوبة لتشغيل المعامل الخاصة بالإنتاج، ما يعني أن صرف المخزون من الفيول بدأ ينعكس تقليصاً في الإنتاج، وهي عملية ستزداد يومياً الى أن تلامس حدود العتَمة الشاملة. والسبب، أن مافيا النفط التي تتولى استيراد الفيول الى لبنان، قررت منع تفريغ حمولات بواخر موجودة في البحر، بسبب عدم صرف الاعتمادات، وهي ستطالب غداً بغرامة التأخير والتخزين. كل هذا يجري من دون أن يتحرك أحد لطرد هذه الشركات من البلاد ومحاكمة القيّمين عليها وحبسهم كأقل عقاب. فكيف إذا كان هؤلاء يتلاعبون، ويتولّون أدواراً ليست لهم، ويحتالون، ثم يكدسون الأموال، ويصرفون ما يربحون في مشاريع مخالفة للقوانين؟
وكيف يمكن للحكومة ان تقبل بأن تكون عرضة لابتزاز من قبل شركات ربحت مئات الملايين من الدولارات، ولم تتخلف الدولة يوما عن سداد مستحقاتها، وهي لا تتحمل ان تتأخر الدولة في دفع مستحقاتها لاسابيع؟
وكيف يمكن للحكومة ان تعطل مشاريع المناقصات المفتوحة وعدم ترك البلاد رهن شركة واحدة او اثنتين بينما هناك عشرات الشركات العالمية بأسعار منافسة؟
معروف أن لدى لبنان عقود استيراد من الجزائر والكويت. وهي عقود من دولة الى دولة، وتقدّم الجزائر أسعاراً تفضيلية للدولة اللبنانية. لكن من يقوم بالأمر هو شركات خاصة. وحتى وقت قريب، كانت الشركة المملوكة من آل البساتنة هي التي تقوم بالمهمة نتيجة اتفاق بينها وبين الشركة الجزائرية. صحيح أن لا اتفاقات مثبتة وموقّعة، لكن الجميع في البلاد يتعاملون مع الأمر على صورته الحقيقية. يملك آل البساتنة تاريخاً طويلاً في عالم النفط، ويرد اسم شركتهم في كثير من الملفات الغامضة، ولديهم قدراتهم الكبيرة على النقل وعلى إنجاز جميع المعاملات الخاصة بعالم الفيول وتحميله من أكثر من مكان. وتظهر حركة البواخر الناقلة للفيول أويل الى لبنان أنها تأتي أحياناً من أميركا أو اليونان أو مالطا أو أمكنة أخرى.
الجديد، أن مستثمرين كباراً قرروا الدخول على الخط، من بينهم الأخوان ريمون وتيدي رحمة اللذان دخلا الى عالم الطاقة في لبنان أخيراً، واشتريا حصة من شركة جديدة ستتولى بناء معمل دير عمار وتشغيله وفق الشروط الجديدة التي أقرتها الحكومة قبل الانتخابات. وعمل آل رحمة في مجال الفيول أويل كبير أيضاً، ولديهم تعاملاتهم في كردستان العراق وتركيا وسريلانكا وأمكنة أخرى من العالم، كما يرتبطون بأعمال مع شركة النفط الوطنية الجزائرية (سوناطراك)، وقد عرضوا عليها أخيراً أن يقدموا لها الأسعار المخفضة الخاصة بالدولة اللبنانية، مقابل كمية أكبر من النفط، على أن يتولى آل رحمة تسويقها في العالم نتيجة شبكة أعمالهم الكبيرة، ما جعل العقد ينتقل إليهم. احتجّ آل البساتنة، فعُقدت تسوية جعلت آل رحمة يعطونهم نحو 40 في المئة من العمل الخاص بلبنان. حصل ذلك مع العقد الجديد الموقّع مع الدولة اللبنانية منذ عدة أشهر ومدته ثلاث سنوات، علماً بأن كمية الـ 3 ملايين طن من النفط قد تزيد بسبب حاجة بواخر الكهرباء التركية الى فيول إضافي، وهناك تقدير برفع الكمية أكثر مع بدء العمل في مشروع دير عمار.
الجديد، هو المعلومات الجاري جمعها والتي تتعلق بالأرباح الناجمة عن هذه العمليات، إذ إن تخفيض نسبة الأرباح كما تقول مصادر قريبة من آل رحمة سيكشف عن الرقم الكبير الذي كان آل البساتنة يربحونه سابقاً، علماً بأن وزير الطاقة سيزار أبي خليل حاول مناقشة مجلس الوزراء في استدراج عروض مناقصات جديدة على الكميات الإضافية، لكن جرى إهمال الأمر لأن الأسعار التي ستقدم ستفضح حجم الأرباح الحالية، وسيكون هناك تراجع أكيد في الأسعار.