«... ومين بيتحمل مسؤولية العالم يللي معك؟». هذه إجابة أحد الموظفين في مصلحة تسجيل السيارات والمركبات الآلية على شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة كان يعترض على رفض طلبه الحصول على رخصة سوق عمومية. هذه ليست إجابة عرضية، بل نهج تدأب عليه المؤسسات المسؤولة عن إعطاء تلك الرخص، بحجة «السلامة العامة»... رغم وجود قانون، منذ 18 عاماً، يسمح لذوي الاحتياجات الخاصة بالحصول على رخصة سوق عمومية، وإن بشروط معينة.لم يضع تصويت أعضاء المجلس النيابي على نص القانون 220/2000 المتعلّق بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة مواده على سكّة التنفيذ. إلى اليوم، لا يزال القانون الذي صار له من العمر 18 عاماً، بلا مفاعيل. فلا حقوق فعلية اكتُسبت، ولا التصويت النيابي أعطاها قوة. بقيت حبراً على ورق. لم يفعل القانون 220/2000 شيئاً سوى أنه ترجم نضالاً دام سنواتٍ طويلة على هيئة قانون. أما غير ذلك، فهو «غير مطبّق». ومواده الـ 102 تحتاج إلى نضال سنوات أخرى كي يصبح معترفاً بها في مؤسسات الدولة. على سبيل المثال لا الحصر، توازي بطاقة «معوّق» الصادرة عن الهيئة الوطنية لشؤون المعوّقين (المادة 4)، بالنسبة إلى الكثيرين من حامليها، مجرّد تذكيرهم بأنهم... ذوو احتياجات خاصة! أكثر ما يمكن أن تزوّد به هذه البطاقة، مثلاً، الأطفال المصابين بشلل دماغي وإعاقة حركية شديدة هو «كيس حفاضات» وبعض الفحوصات. أما المادة 74 التي تنصّ على حقوق هؤلاء بالعمل في الوظائف العامة والخاصة، فلا تزال موضع جدل بين الوزارات والمؤسسات المعنية (العمل والشؤون الاجتماعية وصندوق الضمان الاجتماعي).
ليست مادة واحدة ولا اثنتين. هي أزمة قانون بكامله لم يطبّق في أيٍّ من المؤسسات، لا الحكومية ولا غيرها. وإن طبّقت بنود منه، فقد جاءت بطريقة استنسابية. ومع كل «خرق» للقانون، يكتشف ذوو الاحتياجات الخاصّة أنهم بلا سند. آخر تلك الاكتشافات أنهم «فئة خاصة» لا يحقّ لهم التقدم لنيل رخصة سوق عمومية. سهيل واحد من هؤلاء. الخمسيني الذي يعاني من شلل نصفي منذ صغره يعمل سائق سيارة أجرة منذ خمسة وثلاثين عاماً، إلا أنه «بلا حماية، لكوني لا أملك رخصة سوقٍ تشرّع عملي». يحاول سهيل، منذ عامين، الاستحصال على الرخصة من دون جدوى. في كلّ مرة يحمل فيها طلبه للحصول على الرخصة، مدعّماً إيّاه بالمادة 52 من القانون 220 التي تنصّ في فقرتها الأولى على أنّه «يحقّ لكل شخص معوّق أن يتقدّم بطلب رخصة سير لسيارة عمومية من أي نوع أو فئة كانت وتمنح له وفقاً للشروط والإجراءات المعمول بها»، يسمع الجواب نفسه: «ما فينا كرمال السلامة العامة». كذلك الأمر بالنسبة إلى فؤاد الذي رفض الطبيب إعطاءه شهادة طبية بأنه يستطيع قيادة سيارة «كرمال السلامة العامة». يحدث ذلك في وقت يحمل فيه فؤاد رخصة سوق خصوصية ويقود سيارته بأفراد عائلته!
لا رخص سوقٍ عمومية لذوي الاحتياجات الخاصة. أما القانون 220 فـ«بلّوه واشربوا ماءه». هذه خلاصة تخرج بها بعد زيارة مصلحة تسجيل السيارات والمركبات الآلية (النافعة). هنا، ثمة فئتان: فئة لا تعرف أساساً بوجود قانون ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا ما قيل لسهيل عندما واجههم بالمادة 52، وفئة لا اعتبار لديها للقانون، لأن إصدار الرخص «يخضع لقانون السير».
رئيس دائرة السوق في المصلحة، حنا حسون، يوضح أن إصدار رخص السوق وغيرها «يخضع لأحكام قانون السير»، والمذكرات والمراسيم الصادرة في هذا الإطار التي لا تتعارض مع أحكام القانون الجديد، ومنها المرسوم 88 الذي يحدّد «العاهات البدنية التي لا تتفق وشروط نيل رخصة سوق والعاهات التي يمكن إعطاء أصحابها رخصة سوق بشروط معينة». هذا ما يلتزمه العاملون في المصلحة، يعني «ما فينا نخترع قانون. القانون بيقول هيك، أما الـ220 فهو قانون خاص فيهم».
والمرسوم 88 الذي وضع في عام 1966، قضى باعتبار ذوي الاحتياجات الخاصة من «الفئة السادسة»، بحيث لا «يصلحون» للعمل سائقي سيارات أجرة، ولو كانت مجهزة! «بيطلعلو بس خصوصي»، على ما يقول أحدهم. علماً أنه بحسب قانون السير الذي يستندون إليه والمرسوم 88، ثمة تحديد للفئات التي يمكنها ممارسة هذا الحق، استناداً إلى شهادة طبية تثبت «أهلية» طالب رخصة القيادة من عدمها، سواء أكان من ذوي الاحتياجات الخاصة أم من الأشخاص «الطبيعيين». أي أنه ينبغي درس كل حالة بحالتها.
بحسب أحد الخبراء القانونيين «ليس صحيحاً أنه لا يمكن الأخذ بمضمون القانون 220/2000، لأن هناك ما يسمّى التسلسل والترابط بين القوانين. إذ لا يمكن الاستناد إلى قانون بحدّ ذاته وترك نصوص قانونية أخرى لا تتعارض معه في المضمون». فقانون ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يتضمّن «مواد قانونية تتحدث عن إصدار رخص السوق، يسقط حكماً أحكام المرسوم 88»، لأن هذا المرسوم صدر في وقت «لم تكن فيه حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة كما هي عليه اليوم. بمعنى آخر، لا أستطيع الرجوع إلى مرسوم عمره 50 سنة في 2018... القانون يلغي المرسوم، وقانون السير الجديد لا يتعارض مع القانون 220، لذلك لا أحقية لهذا الرفض».
ينص القانون 220 بوضوح على أنّه «يحقّ لكل شخص معوّق أن يتقدّم بطلب رخصة سير لسيارة عمومية»


هنا، لا يجد رئيس مصلحة تسجيل السيارات في هيئة إدارة السير، أيمن عبد الغفور، ما يمكن أن يحلّ تلك الأزمة سوى «تقديم اقتراح لتعديل قانون السير الجديد من خلال اللجنة الوطنية للسلامة المرورية، بحيث يجري وضع نص شو ممكن ينمشى فيه وشو اللي لا».
من جهتها، تلفت مصادر اللجنة إلى أنْ لا استثناء لذوي الاحتياجات الخاصة، إذ إن حصول هؤلاء على رخصة سوقٍ عمومية يفترض خضوع صاحب الطلب لمعاينة طبية تصدر على إثرها شهادة تحدد من هو أهل للقيادة. ولكن، إذا دُقِّق أكثر في قانون السير، وحتى في المرسوم 88، فثمة «عاهات» موجودة لدى الناس الذين يصنَّفون على أنهم عاديون، ومنها «مرض القلب وإدمان المسكرات والمخدرات والدوخة المزمنة والرجفة والذبحة الصدرية»، تمنع إعطاء رخص سوق عمومية لأصحابها، ولكن لا أحد يلتزمها. «الفيتو» لا يشمل هؤلاء، وإن كانوا مذكورين في القوانين. السلامة العامة وتلك المرورية، التي لا يساوم عليها المعنيون، محصورة بـ«المعاقين»، كما ترد تسميتهم في القوانين، وحتى القانون 220 المتعلق بحقوقهم.