سمير جعجع لم يتغيّر. تُقال هذه العبارة مديحاً له. لكن، بعيداً عن الإطراء، هو حقاً لم يتغيّر.قدّم سليمان فرنجية أمس الكثير. منذ نهاية الحرب الأهلية، لم يكفّ الرجل عن الصفح. صفح عن منفّذي جريمة اهدن. صفح عن العائلة / الحزب التي «أصدرت» أمر تنفيذ المجزرة. صفح عن حلفائه «لحفظ مصلحة الخط». صفح عن آل الحريري بعدما اتهموه بالمشاركة في قتل صديقه ــــ شريكه في الحكم رفيق الحريري. الصفح بات صفة ملازمة لعمله السياسي. صفح عن الجميع (باستثناء ميشال عون وجبران باسيل). ويوم امس، صَفَح عن آخر الذين لم يشملهم عفو ابن العائلة الشهيدة مِن المشاركين في مجرزة اهدن.
في المقابل، ماذا قدّم جعجع؟ هو لم يتغيّر. قال كلاماً مبهماً سُمّي اعتذاراً عن جرائمه وجرائم حزبه في الحرب الأهلية. لم يكن اعتذاراً. كان أقرب إلى التبرير للجرائم. لكنه قرر أن يسميه اعتذاراً. سمير جعجع لم يتغيّر. يقف اليوم في الموقع السياسي نفسه الذي كان يقف فيه إبان الحرب الأهلية. اعتذر عن «اخطاء» الحرب؟ ماذا عن التعامل مع العدو؟ باستثناء العلاقة الرسمية مع تل أبيب، لا يزال جعجع يؤدي الوظيفة نفسها: الامين على السياسة الأميركية والسعودية في لبنان، ولو اضطره ذلك إلى دفع الثمن. تُمحى هنا الفوارق بين المواقف السياسية. تصبح كلها سواء. أن تنتصر في مكانك الطبيعي، ضد إسرائيل، وضد الهيمنة الأميركية والعدوانية السعودية، تساوي تماماً هزيمتك وأنت ملتحق بالضفة الأخرى. لا حاجة لمراجعة ولا لاعتذار ولا لوعد بعدم تكرار الخطيئة نفسها. لا يجد سمير جعجع نفسه ملزماً بتلاوة فعل الندامة. كآل الجميل، يقدّمون الخيار الإسرائيلي قدراً، ولا يخجلون من القول إن تكرار الظروف التي «دفعتهم» إلى الارتماء في حضن الشيطان ستدفعهم، إذا ما توفرت مجدداً، إلى ارتكاب الفعل نفسه.
لم يتغيّر سمير جعجع. لا يحتاج استنتاج ذلك إلى «نبش القبور»، ولا إلى العودة عقوداً إلى الوراء. قبل عام تماماً، لم يردعه رادع عن الانخراط في مؤامرة محمد بن سلمان الفتنوية، عبر تغطية جريمة اختطاف رئيس الحكومة التي كانت ترمي إلى جر البلاد نحو حرب أهلية. ولم تمنعه مواثيق من لحس توقيعه والغدر بميشال عون وجبران باسيل في الحكومة. وقبل يوم من المصالحة التاريخية في بكركي، لم يخجل من رفض بند في قانون المخفيين قسراً يحاسب المتورطين في إخفاء آلاف اللبنانيين. لم يتغيّر سمير جعجع. أداؤه السياسي منذ خروجه من السجن لا يقول سوى انه مستعد لتكرار كل ما فعله. عندما مد يده اليمنى لمصافحة فرنجية، تباطأ الأخير قليلاً. هو يُدرك، أكثر من غيره، أن تلك اليد مجوّفة بفعل رصاصة تلقتها على أسوار بيت العائلة المغدورة في إهدن. صفح سليمان فرنجية، وله كل الحق في أن يُسقِط حقّه الشخصي. لكن، هل ثمة ما اضطره، فعلاً، إلى مد يده، سياسياً، إلى سمير جعجع الذي لم يتغيّر؟