فيما كان اللبنانيون غارقين في همومهم المعيشية والسياسيون مصرين على التمسك كل بحصته الحكومية، كان الطيران الاسرائيلي يستبيح الأجواء اللبنانية. فعلى علو منخفض، حلّقت طائرات استطلاع العدو فوق بيروت وضواحيها، حتى أنها شوهدت بالعين المجردة. أما رد السلطة اللبنانية على هذا الخرق المتمادي للسيادة، فكان التجاهل التام على قاعدة كأن شيئاً لم يكن، إذ لم يصدر أي موقف يدين الخرق، أو حتى يشير إلى وقوعه، فيما كانت اليونيفل، جرياً على عادتها، تكتفي بتسجيل خرق إسرائيل للقرار 1701، على أن ينضم لاحقاً إلى لائحة الخروقات التي تصدر الأمم المتحدة تقريراً روتينياً بها.وقد بدا السلوك اللبناني بمثابة التطبيع مع هذه الخروقات، في ظل الخطوط الحمراء الموضوعة أمام الجيش، ربطاً بمصادر تسليحه. فهو، على سبيل المثال، لا يُزوَّد بوسائل دفاع جوي ولا يمكنه، بالتأكيد، تحريك طائرات الـ«سوبر توكانو» التي يملكها لإسقاط طائرة استطلاع معادية فوق قاعدته الجوية في بيروت. وعدم القدرة ليس مرتبطاً حصراً بالخلل في ميزان القوة مع العدو وحسب، بل لأن حصول الجيش على طائرات من الولايات المتحدة مشروط بعدم استعمالها ضد العدوانية الإسرائيلية.
أما المقاومة، التي تسعى بشكل متواصل إلى امتلاك أسلحة دفاع جوي، فستواجه مستقبلاً، يوم تصدر قيادتها قرار التصدي لطائرات العدو، مشكلة تطبيع السلطة والناس مع الخروقات الجوية لدرجة أن أي عملية مستقبلية للرد على الطيران الإسرائيلي قد يتم التعامل معها كاعتداء على سيادة الطيران الإسرائيلي على الأجواء اللبنانية!
سياسياً، حمل يوم أمس معه مزيداً من التعقيد للأزمة الحكومية، حتى صار أقصى المبتغى صورة تجمع الرئيس سعد الحريري بأعضاء اللقاء التشاوري. لكن الحريري، بدل أن يقوم بأي خطوة تلاقي خطوة «اللقاء» الذي طلب موعداً للقائه، ذهب إلى التأكيد أنه باق على موقفه السياسي. وقال: «لن أغيّر موقفي، وكلامي هذا ليس من باب التحدي لأحد، إنما لإيماني المطلق بأن الصراخ السياسي لا يوصل إلى أي مكان». كما أوضح، خلال ترؤسه، أمس، اجتماعاً ضم كتلة «المستقبل» النيابية وممثلي تيار «المستقبل» في القطاعات والهيئات المنتخبة، أنه «كان في مقدم الساعين للتسويات عندما تكون هناك مصلحة للبلد. لكن ما هو مطروح حاليا لا علاقة له لا بالتسويات ولا بمصلحة البلد ولا اللبنانيين».
الحريري و«اللقاء التشاوري» يرفعان سقف التحدي


في المقابل، كان «اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين» يعلن في بيان صدر بعد اجتماعه في دارة الرئيس الراحل عمر كرامي، أنه «بعد اعطاء الوقت الكافي لحسن النوايا وكذلك لحملات الاستخفاف، وبعد التأكيد القاطع من الرئيس المكلف بأنه لا يرغب برؤيتنا، فنحن نؤكد مجتمعين وللمرة الثالثة على طلب الموعد لأننا لا نرى حكمة في الرد على السلبية بسلبية مماثلة، تاركين للرئيس المكلف الحرية الكاملة في تحديد وتوقيت الاجتماع به عندما يرى ضرورة لقيام هذا الاجتماع». كما رأى المجتمعون أن «المبادرة الى طلب الموعد هو عمليا تنازل في الشكل من قبل اللقاء التشاوري وهي تضحية لا نندم عليها لأننا طلاب مصلحة وطنية ولسنا طلاب مكاسرة ومناحرة ووجاهة شكلية، وقد قوبل هذا التنازل بسلبية لا نتحمل مسؤوليتها». وأعلن اللقاء عن سحب التنازل الذي سبق وقدمه في عدم اشتراط حقيبة معينة للوزير الذي سيمثله في الحكومة، «فنحن شأننا شأن غيرنا ونصر على ان يتم اختيار الحقيبة الوزارية بالتشاور والتوافق معنا. ويؤكد اعضاء اللقاء على المؤكد وهو ان الحل يكون بتوزير احد نواب اللقاء الستة حصرا».
في المقابل، أشارت مصادر عين التينة إلى أن الأمور تتمحور، حكومياً، حول ثلاثة طروحات:
1- حكومة من 32 وزيراً، لكنه يواجه باعتراض من قبل الحريري والوزير جبران باسيل.
2- إقناع الحريري باستقبال اللقاء التشاوري، مع احتمال أن يؤدي اللقاء المباشر إلى اتفاق على اسم مشترك.
3- أن يوافق رئيس الجمهورية على تمثيل اللقاء من حصته.