يقول سياسيون مطلعون إن حزب الله ممتعض من أداء وزير الخارجية جبران باسيل، فيما يحاول أن يؤدي دوراً «بطولياً» لإنقاذ الحكومة ويقدم اقتراحات متتالية لحل المشكلة العالقة. في رأي هؤلاء، ممن لا يراهنون على كسر الحلقة التي تربط الطرفين، ويستندون الى مواقف شخصيات من الحزب، أن مردّ الامتعاض أمران:أولا ان وزير الخارجية يحاول منذ بداية أزمة «سنّة 8 آذار» ان يرمي كرة تعطيل الحكومة في ملعب حزب الله، وهذا ليس تفصيلاً، لأنه أسهم في الإضاءة على دور الحزب الذي كان يصرّ على حصر المشكلة مع النواب الستة الذين يدعمهم، الامر الذي جعل الكلام عن عقدة سنية ـــ شيعية لاول مرة منذ شهور طويلة علنياً، مصحوباً بعودة التوترات الى الواجهة.
عند هذه النقطة، يمكن الحديث عن خطأ ارتكبه الحزب، بحسب هؤلاء السياسيين، حين لم يبادر منذ اللحظة الاولى الى طرح عقدة «سنّة 8 آذار» بوضوح. والقضية هنا ليست شكلية، بمعنى تأمين مقعد وزاري لحلفائه، وتجميع النواب من كتل مختلفة والتعامل معهم ككتلة واحدة عشية الاستعداد لإصدار المراسيم. فالحزب بدل أن يتلطى خلف المشكلتين المسيحية والدرزية ويطرح في موازاتهما توزير «سنّة 8 آذار»، ترك هذه القضية الى ما بعد حل هاتين العقدتين. وهذا ما جعل التوتر السني الشيعي يطفو مجدداً على السطح بعد هدوء ملحوظ. وما يحصل منذ ايام، يحمل مؤشرات خطرة. والحزب اليوم لا يمكن أن يكون مستفيداً من رفع هذا التوتر الى مستوى الاحتقان، لأن ذلك يزيد من مؤشرات عدم استتباب الامن في لبنان وهز استقراره، لا سيما أن الوضع الاقتصادي السيّئ، وعلامات القلق الاقتصادي والمالي يزدادان حدة، ما يسهم في تكثيف عناصر التفجير الداخلي، وكل ذلك لا يخدم الحزب. فهو وإن كان مرتاحاً لبعض التحولات الاقليمية وما يحصل من ردود فعل دولية على السعودية، الا ان ذلك لا يمنعه من محاولة تفادي أي هزة تضاعف من عوامل عدم الاستقرار الداخلي.
الامر الثاني أن باسيل أسهم في تعزيز موقف الرئيس المكلف سعد الحريري الذي كان متأرجحاً من رفض تمثيل سنة 8 آذار بالمطلق وبين القبول بهم شرط ألا يكونوا من حصته. وهو وإن تشبث بموقفه الرافض بعد اعلان حزب الله صراحة رفضه تقديم أسماء وزرائه ما لم يمثل حلفاؤه السنّة، إلا أن تصرف رئيس الجمهورية ومن ثم باسيل المتشدّد، في موضوع تمثيل هؤلاء، جعل الحريري يعود الى المربع الاول، ورفضه تمثيلهم بالمطلق. هذا الامر يتحمل مسؤوليته وزير الخارجية، الذي كان في إمكانه تلقف موقف عون وعدم الذهاب به بعيداً ما دام مكلفاً منه بإدارة المفاوضات حول الحكومة، والعمل مع الرئيس المكلف على إيجاد مخرج من دون أي ضجة مفتعلة لا مبرر لها.
الحريري كان متأرجحاً بين رفض تمثيل سنّة 8 آذار والقبول بهم من خارج حصته


لكن باسيل، بدل أن يقف الى جانب حلفائه، استفاد من الازمة الجديدة لتعويم دوره، ولو بتكليف من رئيس الجمهورية، فعاد ليطرح مبادرات متتالية، لم تؤد حتى الآن الى أي حل فعلي. وبحسب هؤلاء السياسيين، فإن مبادرات باسيل حتى الآن لم تخرج عما كان متداولاً منذ اللحظات الاولى لمشاورات التأليف، لا سيما لجهة توسيع الحكومة، وهو أمر سبق أن طرحه حزب الله نفسه. والمشكلة باتت تتعدى حل العقدة المطروحة، وابتداع حلول مختلفة لها، وأصبحت تتناول تداعيات مشكلات التأليف على العلاقة بين الطرفين. ورغم أن هناك من يحرص من الجانبين على نفي أي تأثيرات سلبية على التفاهمات المبنية على الثقة المتبادلة، الا أن هناك دوائر في التيار الوطني لا تزال تتحدث بوضوح عن أن حزب الله يرفض إعطاء رئيس الجمهورية والتيار معاً 11 وزيراً، وتقول إن باسيل يتصرف بتكليف من رئيس الجمهورية، وإنه يحاول اقتراح مبادرات في وقت يعجز فيه أي طرف عن التقدم خطوة الى الامام، وإنه وقف المواقف نفسها في ملف توزير القوات اللبنانية والدروز، وتوصل في نهاية المطاف الى انتزاع تنازلات مهمة من كليهما، في حين أن هناك في حزب الله من يرى أن الحزب على عكس ما حصل في التسوية الرئاسية ومعركة انتخاب رئيس الجمهورية، يريد أن يحيط نفسه بكل حلفائه، لتمتين جبهته الداخلية في وجه كل الاستحقاقات الداخلية والخارجية. وهو سبق أن وضع جميع هؤلاء، مسيحيين ومسلمين، بقراره في شأن توزير كل حلفائه، من دون استثناء. وكذلك فإن الحزب ترك للتيار هامشاً واسعاً من الحركة الداخلية، فلم يقارب أي ملف له علاقة بالساحة المسيحية، ولا بالتفاهمات التي يجريها التيار أو الملفات التي تخصه، ما دام ذلك لا يتجاوز خطوطاً أساسية في العلاقة بين الطرفين. ثمة مساحة أساسية يفترض الحزب مبدئياً ألا يتخطاها أي حليف له، ولا سيما إذا تركت تأثيرات جانبية، هو في غنى عنها حالياً. لكن ما حصل أخيراً، أعطى انطباعات سلبية، كان يفترض عدم حصولها، لأنه مسّ موضوعاً دقيقاً يتعلق بالتوتر السنّي الشيعي الذي حاول الحزب جاهداً إطفاءه.