إضافة إلى مواعيد بدء العام الجامعي وروزنامته وتوزيع الأنصبة وبرنامج الدروس، ينتظر الأساتذة والموظفون والطلاب في كلية التربية في الجامعة اللبنانية موسم الأمطار لإخلاء الطبقة السفلية من فرع العمادة الذي يفيض بالماء، فتغمر السيول المقاعد والطاولات، وتصبح نسبة إشغال المبنى فوق قدرة استيعابه، بعدما ازداد عدد الطلاب المسجلين وأصبحت غرفة الأساتذة وقاعة المكتبة ومكتب التنسيق غرفاً طارئة للتدريس.هنا، في الفرع الأول، يضع الأساتذة والموظفون والطلاب أيديهم على قلوبهم، حيث توجد تفسخات في الطبقة السفلية. وكان الزجاج في وقت سابق قد هوى من النوافذ في الطبقات العلوية، وكاد يهدد حياة الطلاب، وتوفّي أحد العمّال نتيجة احتكاك كهربائي. والفرع الثاني، بدوره، يضيق بطلابه ومبناه غير مجهّز هو الآخر لتلبية احتياجات الطلاب من مختبرات ومشاغل.
مشكلة كلية التربية تكمن في مبانيها الأربعة: الفرع الأول والفرع الثاني والعمادة وجميعها أبنية مستأجرة ولا تتوافر فيها إجمالاً المستلزمات الضرورية سواء للأساتذة أو للطلاب، والمبنى الرابع فارغٌ (من دون معرفة السبب) ومستأجر (من دون توضيح أي مسوّغ للإستمرار في ذلك).
وقد شهدت إدارة الكلية منذ سنوات على تفاقم وضع الأبنية ولكن شيئًا لم يحصل لتحسين الوضع القائم. وعند تحرّك عدد من الأساتذة، بمبادرة فردية، لإيصال الصوت إلى رئيس الجامعة، كان ثمة تجاوب واقتراح للإنتقال بشكل مؤقت إلى مجمع رفيق الحريري الجامعي في الحدث.
أما تجارب الترميم والترقيع السابقة، خصوصاً في الفرع الأول، فغير مشجعة لأن المتابعة لأعمال المتعهدين غير فعالة ولا ينتج عنها تحسّن ملموس بموازاة المبالغ المصروفة.
لطالما كان التفريع في كلية التربية بعيدًا عن تلبية حاجات الطلاب في التنقل وظروف الإقامة، بل يعكس جغرافياً الحرب الأهلية اللبنانية التي طوينا صفحاتها السوداء، ولكن بعض آثارها لا يزال قائماً وتعبر عنه مناطق النفوذ السياسي والطائفي في الفرعين. فالمسافة بين فرعَي كلية التربية الأول والثاني لا تتعدى نصف ساعة في السيارة، فيما يأتي طلاب كلية التربية من مناطق بعيدة كعكار والهرمل والنبطية وزحلة والشوف، ويتكبّدون المشقة يوميًا ويصرفون الساعات على الطرقات، هذا إن لم يحصل طارئ يحول دون وصولهم بالأساس إلى المحاضرات... كل ذلك لأن الفروع الموجودة حاليًا لكلية التربية لا تلبي حاجات الطلاب بل هي استعادة لذاكرة الحرب ومناطق النفوذ السياسية والفضاءات الطائفية المتخيلة والتي تتجلى خصوصاً في الأعياد والمناسبات الدينية والسياسية وحتى في محتوى توصيفات بعض المقررات.
يبقى أن انتقال كلية التربية إلى مجمع جامعي سيسمح أولاً بتحقيق وفرٍ مادي ناتج عن الإستغناء عن الإيجار، وعن الترشيد في استخدام الموارد حيث أن طلاب كلية التربية في اختصاص التربية الفنية مثلاً سيشتركون مع طلاب كلية الفنون في بعض الإستخدامات، وكذلك طلاب تعليم العلوم في التربية سيستخدمون مختبرات وتجهيزات كلية العلوم بما يتوافق مع متطلبات اختصاصهم، وكذلك طلاب التربية البدنية والرياضية في استخداماتهم للملاعب المتوافرة أصلاً في المجمع... الأمر الذي ينتج عنه وفر مادي لا يستهان فيه على صعيد استثمار الموارد المتوافرة بدلاً من شرائها وبنائها مرتين. كما يؤمن انتقال الطلاب من المباني المنعزلة لكلية التربية إلى فضاء الحياة الجامعية الرحبة كالتي تتوافر في المجمعات الجامعية، ويؤمن اكتساب الطلاب للمهارات الإجتماعية والتواصلية في مناخ من الإنفتاح والتعاون.
في المباني الحالية، تغيب المساحات العامة فلا يجتمع الطلاب حول أنشطة طلابية أو اجتماعية أو ثقافية عامة في إطار الحياة الجامعية. طلابنا محرومون أيضاً من استخدام الوسائل التعليمية والمختبرات بشكل لائق، ما ينعكس سلباً على تأمين احتياجاتهم ومتطلبات التدريس والعمل الأكاديمي. المطلوب قرار حاسم وسريع بنقل كلية التربية بفرعيها ومركز العمادة إلى أحد المجمّعات الجامعية، في مرحلة أولى، على أن تتوزع الفروع على المناطق، في مرحلة ثانية، بحسب الحاجات.

*استاذ المواطنية في الجامعة اللبنانية.