لأن «الرزق السائب يعلّم السرقة»، لم يجد أصحاب معمل «ميموزا» لتصنيع الورق والكرتون والألومنيوم وأوراق التغليف (تأسس عام 1968 في قاع الريم - زحلة) حرجاً في جرّ مياه نبع البردوني (أحد روافد الليطاني) مباشرة إلى معملهم واستعمالها قبل إعادتها ملوّثة إلى مجرى النهر. وليست الدولة، على أي حال، بريئة من جرم السماح بالتعدّي على النهر وعلى غيره من أملاكها العمومية. «تنوري - صليبا» (أصحاب «ميموزا») استندوا طوال 45 عاماً إلى مرسوم أصدره الرئيس الراحل سليمان فرنجية، عام 1973، يرخّص لهم بـ«جرّ مياه البردوني بواسطة قساطل حديدية ضمن الأملاك العمومية»، بناء على طلبهم بـ«جرّ 300 متر مكعب يومياً من مجرى البردوني واستعمالها في معالجة خامات الورق ومشتقاته وإعادة المياه إلى مجراها الأساسي». المرسوم لحظ المحافظة على نظافة النهر. إذ نص في إحدى مواده على «ترسيب وتعقيم وتصفية المياه بعد استعمالها وقبل إعادتها إلى مجراها الأساسي. وعند ظهور أي نقص في المياه من جراء استعمالها يصار إلى تغطية النقص من مياه عين الخمارة». لكن من حازوا المرسوم طبّقوه على هواهم. فإثر انخفاض مستوى مياه البردوني، بعد سنوات، ارتأوا أن يجرّوا المياه من النبع مباشرة، وأعادوها إلى المجرى بعد استعمالها... ولكن ملوّثة. ولـ«ميموزا» شركاء أيضاً في التعدي على البردوني. إذ أظهر مسح للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني أن شركتي تعبئة المياه، «البردوني» و«الريم»، تجران المياه من النبع قبل أن تصرّفا المياه العادمة في المجرى أيضاً.أمس، تقدّمت المصلحة بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية ضد المعمل، ليس بسبب تلويثه النهر فحسب، بل أيضاً بسبب «استغلال أحد أصحابه، وسام التنوري (شريك أساسي مفوض بالتوقيع)، لصلاحياته كونه رئيساً لبلدية قاع الريم التي يقع المعمل في نطاقها العقاري، ما أدى إلى التعدي على مياه الشفة، على نحو يحرم زحلة والجوار منها». الإخبار أعقب كشفاً ميدانياً قام به فريق من المصلحة، الاثنين الماضي، للاستقصاء حول سبب تحول لون مياه البردوني إلى الأسود في مقطع قاع الريم. وتبين للفريق (الذي استعان بمفرزة زحلة القضائية للكشف بعد منعه من أصحاب المعمل) بأن السبب هو «الصرف الصناعي العائد للمعمل والذي يُرمى في المجرى من دون معالجة».
كذلك قرّر وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن إقفال المعمل بناء على كشف ميداني أجراه فريق الوزارة أمس، وأظهر «الضرر البليغ الذي يسببه على مجرى نهر البردوني وعدم استكمال إجراءات معالجة المياه الصناعية».
وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بعد كشفها على مصادر التلوث والتعديات على البردوني قبل شهرين، أوصت وزارة الصناعة بـ«ضرورة وضع ميموزا تحت المراقبة الدورية للتأكد مما تدعيه بأنها تقوم بمعالجة المياه العادمة الناتجة من المعمل». فقد بيّن المسح أن المعمل «ينتج يومياً 300 متر مكعب على الأقل من المياه العادمة». وعلى رغم إفادة «صاحب العلاقة، وهو رئيس بلدية قاع الريم في الوقت نفسه، بأن هذه المياه تعالج بواسطة الترسيب (حفرة ترسيب) والتكرير (محطة تكرير) قبل صرفها في شبكة الصرف الصحي لبلدية زحلة (محطة تكرير زحلة)»، لفتت المصلحة إلى أن «المراقبة السابقة تؤكد استمرار تدفق الصرف الصناعي للمعمل إلى البردوني. وتستمر الشكوك حول عدم معالجة الصرف الصناعي بشكل فعال، ما يستوجب وضع المصنع على جدول الكشف الشهري من قبل وزارة الصناعة، وأخذ عينات لتحليل المياه الصناعية المعالجة للتأكد من فعالية التكرير».
مصلحة الليطاني شكّكت منذ شهرين في ادعاءات «ميموزا» بمعالجة مياهه


وفيما لم تأخذ «الصناعة» بالتوصية، تشفّعت وزارة البيئة لـ«ميموزا» وغيرها من كبريات المؤسسات الملوّثة («قساطلي» و«شاتو كسارة» و«سيكومو» و«ماستر» و«كانديا - ألبان لبنان»). ففي الرابع من أيلول الماضي، أرسلت «البيئة» كتاباً إلى المصلحة، على خلفية إخبارها ضد المصانع، ضمّنته توضيحاً لأوضاع هذه المؤسسات، مؤكدة أنها بلغت مراحل متفاوتة في «مشاريع معالجة المياه العادمة بين إنجاز الدراسات والبدء بتركيب محطات التكرير». وخصّ الكتاب «ميموزا»، تحديداً، لافتاً إلى أن أصحابه «قاموا بمعالجة أولية تسمح بتخفيف التلوث (...) لتتوافق نوعية المياه مع المواصفات والمعايير». علماً أن «ميموزا» و«ألبان لبنان» حظيتا بقروض ميسرة بفائدة صفر من مصرف لبنان لإنشاء محطات تكرير خاصة، على رغم أن ترخيص إنشاء المؤسسات الصناعية يشترط إنشاء المحطة وتشغيلها على نفقة أصحاب المعمل قبل البدء بالعمل!
إلى ذلك، من المقرر أن يمثل، يومي الثلاثاء والخميس المقبلين، أمام القاضي المنفرد الجزائي في زحلة، ممثلون عن 86 مؤسسة صناعية متهمة بتلويث الحوض الأعلى لليطاني، بناء على إخبار قدّمته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني منذ أربعة أشهر.

* نتائج المسح الذي أجرته مصلحة الليطاني لمجرى نهر البردوني