بعيداً من الذعر الذي تثيره استعراضات التلفزيونات اللبنانية وتحذيراتها من أخطار العواصف الطبيعية (المعتادة في مثل هذا الوقت من كل عام)، تشكّل «نورما» وأخواتها مناسبة لإعادة تظهير الذل الذي يعيشه اللبنانيون، والمقيمون في لبنان، مع كل حدث طبيعي أو «استثنائي». كما تبيّن تهالك البنى التحتية اللبنانية وعدم جاهزيتها لمواكبة أي عاصفة أو حدث، وهو ما يظهره حلول لبنان في المرتبة 113 من بين 137 بلداً لناحية جاهزية بناه التحتية وفق تقرير التنافسية العالمية لعام 2018.أمس، تجدّدت الصورة نفسها في الأماكن نفسها: إغلاق «عنق الزجاجة» المسمّى ضهر البيدر مع أول هطول للثلوج؛ طوفان نهر الغدير ومياه الصرف الصحي على البيوت المشيدة على ضفتيه؛ «غرق» أوتوستراد الضبية بالمياه الموحلة ما أدّى إلى زحمة سير خانقة واحتجاز المئات داخل سياراتهم ساعات طويلة واضطرار عناصر الدفاع المدني إلى استخدام زوارق لإنقاذ بعضهم، فضلاً عن تسجيل انهيارات وزحل للتربة وسقوط صخور واجتياح السيول للطرقات في شكا والكورة وصيدا وبعبدا والشويفات وحي السلّم والهرمل وغيرها. فيما لم تسلم مؤسسات «الدولة» بدورها، إذ اجتاحت الأمطار بعض الصفوف في مجمع الحدث الجامعي، ومبنى مجلس النواب في ساحة النجمة.
هذا المشهد الذي يتكرّر سنوياً، مع كل «هبّة هواء»، نتاج «طبيعي» للسياسات المنتهجة في مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، والقائمة على تهميش الاستثمارات في البنى التحتية في مقابل إعطاء الأولوية للاستثمارات الخاصة غير المُنتجة. ويوضح الخبير الاقتصادي شربل قرداحي، في اتصال مع «الأخبار»، أن الاستثمارات في البنى التحتية غالباً ما كانت «عبارة عن استثمارات تجديدية قائمة على تأهيل المنشآت والتجهيزات المُستهلكة، من دون أن تشمل القطاعات التي من شأنها أن تحسّن حياة الناس ومستوى معيشتهم».
ومعلوم أن نسبة الاستثمارات في البنى التحتية، بين عامي 1993 و2017، بلغت فقط نحو 6.5% من مجمل الإنفاق الحكومي العامّ، ولم تتعدَّ قيمتها 14 مليار دولار من 216 ملياراً أنفقتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة خلال الفترة نفسها (راجع «رأس المال»). وإلى ضآلة هذه الاستثمارات مقارنة مع مجمل الإنفاق الحكومي، فقد طغت عليها غالباً الزبائنية والمحاصصة في تلزيم العقود، ما انعكس على نوعية المشاريع المنفّذة.
14 مليار دولار أُنفقت على البنى التحتية خلال ربع قرن من 216 ملياراً صرفتها الحكومات المتعاقبة


رئيس جمعية «شبكة سلامة المباني» يوسف عزّام لفت إلى أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تضع، منذ تسعينيات القرن الماضي، أي خطط أو استراتيجيات تتعلّق بسلامة الطرقات العامة، ولم تعمد إلى زيادة الإنفاق على تأهيل البنى التحتية من جسور وغيرها، مُشيراً إلى «غياب أدنى المعلومات المطلوبة لمعرفة الجسور والطرقات العامّة المعرّضة للانهيار سواء بفعل عوامل المناخ أو بفعل عوامل أخرى».
وعلى رغم أنه تقع على كل الحكومات المتعاقبة مسؤولية تراكم هشاشة البنى التحتية، إلا أن تساؤلات جمّة تُطرح حول حجم الجهد الذي بذله المسؤولون الحاليون لتغيير هذا النهج المعتمد منذ أكثر من عقدين، وتقديم رؤية واضحة حول كيفية الاستعداد لمواجهة عواصف من حجم «نورما» أو غيرها.
في المُحصّلة، الأداء «الرسمي» إزاء المشاهد المُذلّة التي حصلت أمس لا يختلف عن الأداء المعتاد المتمثّل بالابتعاد عن تحديد المسؤوليات والاعتراف بالتقصير. وهو ما ترجمته تصاريح وزراء الأشغال والزراعة والمالية التي لم تُقدّم للمواطنين سوى الاعتذارات والطمأنات غير المجدية.



«تصدّع» جسر الكولا


في 18 نيسان الماضي، انهار جزء من أطراف المسلك الشرقي لجسر الكولا. حينها، خلصت دائرة الهندسة في بلدية بيروت إلى أن لا خلل إنشائياً في الجسر وأنه صالح للاستخدام (راجع «انهيار» الكولا: «تصدعات» في سلامة الطرق). طرحت تلك الحادثة حينها مسألة الصيانة والتأهيل المطلوبين بشكل دوري وهو ما لم يكن يتمّ، الأمر الذي دفع ببلدية بيروت إلى المُضي في تأهيل الجسر.
أمس، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لتصدع في الجسر وتحذيرات من سلوكه كونه «آيلاً إلى الانهيار». عضو لجنة الإعلام في بلدية بيروت سليمان جابر أكد لـ «الأخبار» أن الجسر لا يشكل خطراً على السلامة العامة، وأن ما تم تداوله من صور «هو نتيجة أعمال الصيانة التي يخضع لها الجسر».
رئيس جمعية «شبكة سلامة المباني» يوسف عزّام شدد على ضرورة إجراء صيانات دورية للجسور كل خمس سنوات «لأن تراكم المشكلات من شأنه أن يشكل في ما بعد خطراً فعلياً على السلامة العامة». وأوضح أن «فاصل التمدد» (تستخدم في بناء الجسور فواصل تمدد من الباطون لوصل كل 25 متراً في لبنان. وتختلف المسافة المستخدمة لوضع الفواصل بحسب مناخ كل بلد) «أمر طبيعي»، لكنه لفت إلى أن أطراف الجسر المحطمة نتيجة أعمال التأهيل التي تقوم بها الشركة المتعهّدة «تُشكّل خطراً على السلامة العامة في حال وقوعها من على الجسر».