مبادرة الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري والحزب الديموقراطي الشعبي والقوى والمجموعات السياسية والمدنية، للتحرّك في الشارع يومَي السبت 12 والأحد 13 كانون الثاني، يراها المنظمون البداية في خطّة العمل البعيدة الأمد، قبل بلوغ الهدف الأسمى: تغيير السياسات الاقتصادية المُتبعة. لم يكن بالإمكان توقّع المستحيل من مسيرة يوم السبت التي انطلقت من وزارة العمل وانتهت عند وزارة الصحة، أو من الاعتصامات «الرمزية» في عكار وطرابلس وجونية وعاليه والشوف وصيدا والنبطية وزحلة وبعلبك، يوم أمس، وخاصّة أنّ المنظمين تعاملوا مع الحدثين، منذ البداية، بكثيرٍ من «الواقعية»، وبوضعهما في إطارهما الصحيح، حتّى لا يكون من مجالٍ لتسلّل أي إحباط إلى صفوف المواطنين.الهدف من مسيرة السبت، كان المُطالبة بنظام صحي واستشفائي متكامل، وتفعيل قانون العمل اللبناني المتعلق بتصحيح سنوي للأجور، وفرض الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي للعمّال. في حين أنّه نُظّمت اعتصامات رمزية في تسعة أقضية للتدليل على أهمية المناطق، وكَسر الفكرة المُسيطرة أنّ بيروت وحدها تُطالب بالحقوق وتتظاهر. الأساس، كان الذهاب إلى عند الناس المُتضررين من الأزمة، وإسقاط البُعد الوطني على التحركات الشعبية. الاعتصامان المُنسقان، تحضيريان للتظاهرة المركزية في 20 الشهر الجاري، والتي تتزامن مع انعقاد القمة العربية التنموية.
(علي حشيشو)

نجاح «الشيوعي» و«الناصري» و«الديموقراطي الشعبي» ومختلف القوى «المدنية»، في تنظيم تحرّكات السبت والأحد، لا يعني عدم تسجيل ملاحظات، تُعتبر رئيسية لأخذ العِبر لمسار بناء حالة شعبية تفاعلية مع التحركات. ويُعتبر من الأولويات، استكمال العمل على بلورة خطاب واضح وبسيط، يؤدي غرضه في الوصول إلى أوسع نسبة من الرأي العام، لإقناعها بخطورة الوضع الاقتصادي، وآثاره السلبية على الفئات المتوسطة والمُهمشة، وبأنّ النظام الحالي هو أكبر تهديد لحقوقها ومكتسباتها. لم يتمكن المنظمون أول من أمس وأمس، من استمالة أعدادٍ كبيرة من المواطنين، وبقي تأثيرهم محدوداً بالدائرة المحيطة بهم، ما يُشير إلى أمور عدّة، منها: تقصير على مستوى العمل المُباشر مع الفئات الشعبية، عدم اقتناع الناس من جدوى التحرّك وإمكانية إحداث أي تغيير، ولا سيّما مع تراكم التجارب السلبية.
يعتقد الناشط في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، واصف الحركة، أنّ تحرك يوم السبت حمل مجموعة من الإيجابيات والسلبيات. الحديث هنا ليس عن «الحشد الشعبي»، ولكن عن العمل الجدّي الذي سبق التحرّك بالتواصل مع العدد الأكبر من الناس في مختلف المناطق. وهو ما أدّى فعلياً إلى مشاركة عمال وعمال مطرودين من وظائفهم بإلقاء كلمة خلال الوقفة أمام وزارة العمل، فيما انضم والد أحد المتوفين بأدوية السرطان المزورة، علي قعيق، إلى الوقفة أمام وزارة الصحة. وبحسب الحركة، فإنّ «مشاركة أصحاب القضايا معنا، أمر إيجابي، وخروج تظاهرة من قلب الضاحية إيجابية أخرى». أما السلبيات، فتتركز حول «المزاج الشعبي الذي يعلو ويهبط وفقاً للأوضاع الآنية، لذلك نحاول التأثير تدريجياً، إلى حين الوصول إلى مرحلة نتمكّن فيها من خلق موجة ضدّ النظام الذي يُفقر المواطنين ويعبث بحقوقهم. المطلوب تعزيز الثقة فينا أولا». أما السلبية الثانية فهي اختلاف البعض على الأولويات وبثّ السلطة شائعات لإخافة المواطنين وإنهاكهم لضمان عدم مشاركتهم».
من ناحية «الشيوعي» والوقفات الاحتجاجية يوم الأحد، تقول عضو اللجنة المركزية جنى نخّال إنّ «السياق يختلف بين منطقة وأخرى، لذلك تفاوتت المُشاركة في كلّ منها». في جونية مثلاً، حيث التنظيم الحزبي لـ«الشيوعي» ضعيف، «مُجرّد نزول الناس إلى الشارع أمرٌ جيّد. كان يهمّنا الإضاءة على أنّ كلّ المناطق معنية بالوضع». مع إشارتها، إلى أنّ أحد التحديات التي تواجههم هو «كيفية التواصل مع الناس، لتوسيع الدائرة التي نطاولها». تُقدّم نخّال مثالاً آخر، يدلّ على تجاوب الناس مع الدعوة، رغم عدم التواصل المباشر معها، وهو «نزول 60 شخصاً في الشوف إلى الشارع، كانوا قد تعرّضوا لصرف تعسّفي». الأعداد الأكبر سُجّلت، بحسب نخّال، في زحلة والنبطية وصيدا والشوف، مُشيرةً إلى «حماسة الشباب والجيل الجديد للتحركات التي ساهموا في تنظيمها». وتختم بأن المنظمين راضون بالإجمال عن تحركات يوم الأحد، «نسبةً إلى الإمكانات التي نملكها، ولأنّ الناس مُحبطون وخائفون من أي تحرّك. هذه خطوة ستليها بالتأكيد خطوات أفضل». يوم الأحد المقبل، في بيروت، سيكون الاختبار.