لا يكفي لبنان التوتّر العالي على خطّ تأليف الحكومة و القمّة الإقتصادية التي تتهيأ البلاد لاستقبالها، حتّى حطّ فيه وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل. لا يحتاج الأمر إلى تفسيرات كثيرة للبناء على هذه الزيارة لأن المكتوب واضح من عنوانه. وهو العنوان الذي مهّدت له السفارة الأميركية في بيروت عبرَ بيان قالت فيه إن «هيل سيُعيد تأكيد دعم الولايات المتحدة القوي للدولة اللبنانية، بما في ذلك مؤسساتها الأمنية الشرعية. وهو سيشدّد على قلق الولايات المتحدة من أنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار في لبنان والمنطقة، بما في ذلك الاكتشاف الأخير لأنفاق حزب الله العابرة للحدود، والتي تتحدى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وتعرّض أمن الشعب اللبناني للخطر». اللهجة التهديدية في العبارة الأخيرة لا تحتاج إلى الكثير من التمحيص لتبيانها.سبقَ هذا البيان خطاب لوزير الخارجية مايكل بومبيو من مقر الجامعة الأميركية في القاهرة، قال فيه «في لبنان، لا يزال لحزب الله وجود كبير، ولكننا لن نقبل بالوضع الراهن، لأن عقوباتنا الصدامية ضد ايران هي موجهة أيضا ضد هذا التنظيم الارهابي وقادته». إذاً لا يُمكن فصل هذه الزيارة عن «سياق حركة أميركا ضد إيران في المنطقة قبلَ القمة التي ستُعقد برعاية أميركية في بولندا الشهر المقبل، ما يعني أن لبنان لن يبقى مُحيّداً أو معزولاً عن الصراع على الجبهة الأميركية – الإيرانية والذي سيكون لقطاره محطّة لبنانية». هكذا تختصر مصادر سياسية أهداف الزيارة التي استهلها هيل بلقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط في كليمنصو أول من أمس. وتوكّد المصادر أن «هناك هجمة أميركية على المنطقة ولبنان تهدف الى معاقبة إيران وعزل حزب الله».
مصادر مطلعة على لقاءات هيل قالت لـ «الأخبار» إن «الموفد الأميركي أكّد في بيروت أن الولايات المتحدة الأميركية ستبدأ بتطبيق قانون العقوبات الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الحزب». وهو قد شدد بوضوح على أن «القانون لن يطال حصراً الحزب وقادته، فهناك توجّه أميركي لمعاقبة كل من يثبت أن له علاقة بالحزب»! كذلك تناول هيل« استكمال إسرائيل بناء الجدار العازل على الحدود اللبنانية»، مؤكداً أن «اسرائيل تعمل لحماية أمنها من خطر الحزب»، وفق المصادر التي لخصّت الزيارة بأنها «جولة استطلاع أميركية لا تحمِل طرحاً معيناً»، لكنها «مقدّمة لأمر عمليات بعزل حزب الله عن القوى السياسية الحليفة له في الداخل، أو تلك التي ليسَت في خصومة مطلقة معه». وفي أحد لقاءاته، سأل هيل عما يمكن القيام به لتفادي أي توتر في الجنوب، سواء بعد إعلان إسرائيل اكتشاف أنفاق للمقاومة، أو بعد مباشرتها بناء جدار عازل في أراضٍ يتحفّظ لبنان على اعتبارها أراضٍ فلسطينية. وكلام هيل هذا أتى في سياق نقاط عددها الأخير وهي:
- إن التصعيد ضد حزب الله سيزداد داخل لبنان وخارجه،
- الولايات المتحدة لن تنسحب من المنطقة، وهي تنظم انسحابها من سوريا بصورة لا تصب في مصلحة دمشق، عبر تنظيم اتفاق بين تركيا والأكراد،
- دعم الدولة اللبنانية والجيش سيستمر إذا لم يكن هناك التفاف حول الحزب.
رفض هيل أي لقاء مع قيادات قواتية بغياب جعجع


وفورَ مغادرة هيل كليمنصو، وصل هذا الجو إلى الرؤساء الثلاثة الذين سيكون للموفد الأميركي لقاءات معهم، بحسب ما أشارت مصادر سياسية بارزة في فريق ‪8 آذار‬ لـ«الأخبار». واعتبرت المصادر أن «اسرائيل تستفيد من المناخ الأميركي لتوتير الساحة الداخلية في لبنان وإشغال حزب الله فيها». وأشارت الى أن «التحذير الذي يحمله هيل ليسَ بجديد، وقد سبقه اليه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد». وما الزيارة إلا «لاستكمال النفس التصعيدي الأميركي الذي كان ساترفيلد قد حمله الى اللبنانيين قبل نحو عام، لكنه اليوم يحصل في كل الاتجاهات مع تهديدات أكبر». وفيما لم يُعرف بعدَ كيف سيكون شكل الردّ الرسمي اللبناني على الزائر الأميركي، وعمّا إذا كان سيواجه بموقف وطني جامع كما حصل مع زميله في الإدارة الأميركية، انتقدت المصادر ما سمّته «شهية لبنانية عند بعض القوى للانتقام من حزب الله». فهذه القوى «لا تتوقف عن رهاناتها واندفاعاتها غير المحسوبة، وتتحمّس في كل مرة تشعر فيها بأن الولايات المتحدة ستعود الى المشهد اللبناني».
وفيما التقى هيل يومَ أمس المدير العام لقوى الأمن العام عباس ابراهيم، من المفترض أن يجتمع بالرؤساء الثلاثة وقائد الجيش العماد جوزيف عون، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. لكن جدول أعماله لن يتضمّن أي لقاء مع القوات اللبنانية بسبب وجود رئيسها سمير جعجع خارج البلاد. وعلمت «الأخبار » أن معراب سعت إلى أن يكون هناك لقاء يجمع قواتيين بهيل، لكن الأخير لم يتجاوَب. وكان النائب ميشال معوض قد دعا أمس هيل الى مأدبة عشاء بحضور الرئيس أمين الجميل ووزير الخارجية جبران باسيل.