تتسارع وتيرة الأزمة المالية في لبنان. آخر مظاهرها قرار وكالة «موديز» خفض تصنيف لبنان من B3 إلى Caa1. الانتقال من مستوى (B) إلى مستوى (C) كان كافياً لأن يثير حالة من الهلع، لكن النتيجة كانت مختلفة. هدوء في الأسواق المالية. أسعار سندات اليوروبوندز المتداولة في السوق الدولية لم تشهد انخفاضاً دراماتيكياً. لم يحصل طلب لافت على الدولار. لم يتهافت المودعون على المصارف لتحويل أموالهم من الليرة إلى الدولار ومن لبنان إلى الخارج.هذا الهدوء لافت للمراقبين. فمن جهة، يأتي خفض التصنيف بعد تصريحات وزير المال علي حسن خليل عن «إعادة هيكلة الدَّين العام»، ثم «إعادة جدولة الدَّين العام بالتنسيق مع مصرف لبنان والمصارف»، قبل أن يرسو على أن «موضوع إعادة هيكلة الدَّين العام غير مطروح على الإطلاق». ويأتي أيضاً بعد خطوة مصرف لبنان بمنع المؤسسات المالية غير المصرفية من تسديد الحوالات الآتية من الخارج بالدولار الأميركي، في خطوة تنطوي على ذعر ما.
ومن جهة ثانية، إن خفض التصنيف إلى هذا المستوى بحسب تعريف «موديز»، مؤشر على ارتفاع المخاطر الائتمانية في لبنان. بمعنى آخر، يعدّ ارتفاع المخاطر الائتمانية مؤشراً على أن لبنان قد يتخلّف عن سداد الديون قبل إعلان الإفلاس.
التناقض في فعل «موديز» السلبي تجاه لبنان، وردّ فعل الأسواق التي يمكن وصفها بأنها «حيادية» نسبياً، يثيران الكثير من التساؤلات: ما الذي حصل؟ كيف قرأ السوق خطوة خفض التصنيف؟ هل هناك توقيت سياسي كما تردّد بين بعض الخبراء، أم أنها خطوة ذات طابع تقني - مالي يستند إلى مؤشرات سلبية؟ هل سيلي ردّ الفعل المباشر ردود فعل أكثر حدّة؟ هل نحن في وضع سيئ وسلوك مالي حادّ لا يستدعي أصلاً ردّ فعل؟ هل كان خفض التصنيف خطوة مرتقبة من الأسواق؟
الكثير من الأسئلة التي لا يمكن إيجاد إجابة واضحة عليها بين سطور التداولات المالية في الأسواق الدولية حيث سندات الخزينة اللبنانية بالعملات الأجنبية متداولة. أسعار هذه السندات، حتى مساء أمس، لم تنخفض بأكثر من نقطة مئوية، رغم انخفاضها بنحو 10 نقاط مئوية في الأسبوع الماضي بعد التصريحات عن إعادة هيكلة الدين العام، وبالتالي فإنها انخفضت إلى مستويات متدنية أصلاً، ولن يكون هناك انخفاض أكبر.
تحليلات الخبراء بشأن ردّ الفعل بعد خفض التصنيف، تمحورت حول مجموعة أفكار:
- إن خفض التصنيف لا يؤثّر، عملياً، إلا بالمستثمرين الأجانب، أو حملة السندات الأجانب، وبما أن نحو 85% من الدَّين العام محمول من أطراف محلية، فإن ردّ الفعل البارد تجاه هذا الأمر، يشي بأن الخطوة كانت متوقعة وكانت منتظرة لأن أي ردّ فعل يؤثّر مباشرة بمصالح الفريق الذي يحمل الدَّين، أي المصارف اللبنانية ومصرف لبنان بنحو أساسي. أما الهدوء بين المودعين، فقد تكون له أسباب بعيدة عن هذا الحدث، إذ إن الكتلة المالية التي تعدّ «حارة» وتعمل في مجال المضاربة على الفوائد والليرة، خرجت أصلاً من لبنان. كذلك إن النسبة الأكبر ممن كان قادراً على فتح حسابات في الخارج، حوّل مبالغ يعتقد أنها تشكّل أماناً له في حال حصول الأسوأ في لبنان، وهؤلاء يمثّلون الشرائح المتابعة، أي إن النسبة الباقية من حاملي الودائع بالليرة هم من الذين ليس لديهم القدرة على فتح حسابات في الخارج، وليسوا معنيين بتفاصيل خفض تصنيف لبنان وتداعياته.
- إن الأسواق الدولية، أو حملة السندات الأجانب، قد يكونون في حالة انتظار مع إدراكهم أن هذا الوضع ليس مستجداً في لبنان، وهم على علم بتفاصيل الوضع المالي، ما يعني أنهم يعلمون أن الانهيار لن يكون فورياً، بل ينطوي على بعض الوقت الذي يتيح لهم الانسحاب من دون خسائر كبيرة، أو الانسحاب التدريجي الذي يسمح لهم ببعض المكاسب.
- إن تركيز «موديز» على مسألة التأخر في تشكيل الحكومة في بيان خفض التصنيف وما سبقه من تحذيرات قبل نحو شهر حين خفضت نظرتها المستقبلية من «مستقر» إلى «سلبي»، مثير للاهتمام، لأن «موديز» استعجلت إصدار قرار خفض التصنيف قبل موعد التقييم التالي.
- لا يمكن معرفة تداعيات خفض التصنيف فوراً، إذ إن الأمر لا يتعلق بأسعار سندات اليوروبوندز المتداولة في السوق الدولية، بل يتعلق أيضاً باستمرارية حصول الدولة اللبنانية على التمويل مستقبلاً، وبكلفة هذا التمويل. فخفض التصنيف سيرفع أسعار الفوائد، وخصوصاً أن هناك استحقاقات بالدولار الأميركي خلال السنة الجارية بقيمة 2.6 مليار دولار مضافاً إليها الفوائد لتزيد قيمتها على 5 مليارات دولار. ويتعلق الأمر باستمرار التدفقات الرأسمالية من الخارج الضعيفة أصلاً، إذ تقول «موديز» إن حاجات لبنان التمويلية تجاوزت 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وباتت من أعلى التصنيفات في العالم.
- يعتقد بعض المحللين أن حاملي السندات الأجانب، رأوا في خطوة خفض التصنيف ضغوطاً إضافية تهدف إلى التسريع في تشكيل الحكومة وإلغاء فكرة إعادة هيكلة الدَّين العام من أساسها. ويعتقد هؤلاء أن أي حكومة ستعمل مع أصحاب المصالح الكبرى وستخضع لضغوطاتهم، تماماً كما حدث عندما أعلن وزير المال إعادة هيكلة الدَّين العام، فاستدعى الأمر اجتماعاً عاجلاً في القصر الجمهوري، خلص إلى إعلان موقف من بضعة أسطر يشدّد على أن لبنان لا يطرح مسألة إعادة هيكلة الدَّين العام بتاتاً، وأنه ملتزم «تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً المحافظة على حقوق المودعين والمصارف وحاملي مختلف سندات الدَّين السيادية، وذلك تقيّداً بتسديد الاستحقاقات والفوائد في التواريخ المحددة لذلك من دون أي إجراء آخر»، فضلاً عن أن لبنان ملتزم «تنفيذ الإصلاحات التي اقترنت بها موازنة 2018 من جهة، ومن جهة أخرى ما التزمته الدولة اللبنانية في مؤتمر سيدر».
هل تعاملت الأسواق مع الأمر على أنه يسهم في إلغاء فكرة شطب جزء من الدَّين؟


- خبراء مطلعون قالوا إن ردّ الفعل على خفض التصنيف، بمعزل عن توقيته السياسي المقصود أو غير المقصود، جاء بارداً نسبياً، بسبب ما تسرّب من أنباء عن أن دولاً خليجية ستعيد تحسين علاقتها السياسية بلبنان، بشروط، وضخها أموالاً كفيلة بعدم انهيار الاقتصاد اللبناني. يضاف إلى ذلك أن التصنيف عامل مهم في العودة إلى مقترحات «سيدر» التي تحدثت عن تقليص القطاع العام وزيادة الضرائب كمقدمة للعلاج المطلوب للخروج من الأزمة. وفي هذا الإطار، كان لافتاً أمس إعلان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن بلاده ستقوم بكل ما يلزم لمساعدة الاقتصاد اللبناني واستقرار لبنان. وربطت قناة «سي ان بي سي» التي تحدّث إليها الجدعان، بين تصريحه وبين قرار قطر شراء سندات لبنانية بالعملة الأجنبية (يوروبوندز) بـ500 مليون دولار الذي أعلِن أول من أمس.