يطبق الصمت مساء اليوم على تلة الصنوبر في المصيلح، بعد إخراج آخر دفعة من نزلاء مستشفى الفنار للأمراض النفسية والعصبية تنفيذاً لقرار وزير الصحة جميل جبق. ينصرف أصحاب المستشفى والموظفون والأطباء لانتظار الإستماع لهم في النيابة العامة المالية التي تحقق في أسباب إقامة المرضى في ظروف صعبة. المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم دشن التحقيقات، أمس، بتوقيف مديرة المستشفى سمر اللبان ومدير العناية الطبية في وزارة الصحة جوزيف الحلو. مع ذلك، وبصرف النظر عن الأسباب والمتسببين، يلف الغموض مصير المستشفى.عمّ فرح تحرير الفنار الجميع باستثناء «معتقليه». بكى بعض المرضى بحرقة لدى تبلغهم بأنهم سيغادرون إلى «مكان أفضل». احتضنوا بشدة الموظفين المتهمين بإذلالهم وناشدوهم بأن يواظبوا على الإتصال بهم والسؤال عنهم. ومنهم من طلب المغادرة إلى منزل الأهل. عائلات حضرت لتواكب انتقال أبنائها إلى ثلاثة مستشفيات في حالات وجويا وصور. وكما لم تملك سابقاً إنقاذ أبنائها من جحيم الفنار، لم تملك أمس سوى أن تتفرج عليهم ينتقلون إلى مكان جديد أخاف البعض بعدما اعتاد على التلة الهادئة لسنوات طويلة. جل ما فعله بعض الأهل التهجم على بعض الموظفين والإستقواء عليهم بكاميرات البث المباشر. ناشطة اجتماعية كانت تواظب على زيارة المرضى، انتقدت «المزايدات التي يقوم بها بعض الأهل والناشطين والهيئات. لو اهتموا من قبل لما وصلنا إلى هنا؟». موكب ضخم من سيارات الهيئة الصحية كان ينتظر جهوزية المرضى لنقلهم: 40 رجلاً إلى مركز سانت ماريا في حالات (جبيل) و30 سيدة و10 رجال إلى مركز الكاظم الرعائي التابع لجمعية الإمداد في صور، و45 رجلاً إلى مركز جويا الرعائي التابع للهيئة. وفيما كان الحلو والهيئة وموظفو المستشفى ينظمون جداول المنتقلين، وقع المرضى فريسة المتفرجين والكاميرات والبث المباشر الذي أباح أمراضهم وأوجاعهم ونوباتهم وأغراضهم البالية للجمهور. المشهد نفسه سيتكرر اليوم باستكمال نقل 45 مريضاً إلى المستشفيات الثلاثة. لكن ماذا عن مبنى الفنار وموظفيه، لا سيما بعد توقيف اللبان؟.
خلال زيارته الأحد الفائت، تعهد جبق بتأهيل المستشفى وإعادة تشغيله وجعله من صلاحيات الوزارة في حال سمحت الإمكانات. لكن هل الوزارة مجبرة على تأهيل المبنى ذي الملكية الخاصة من المال العام؟ مصدر في المستشفى لفت إلى أن الوزارة «ستمنح أصحاب المستشفى سلفة للقيام بالتأهيل والتجهيز، في وقت ستحول وزارة المالية السقف المالي الخاص بالفنار لعام 2018 والمبلغ المتبقي من حصته لعام 2017». أما بالنسبة للإدارة، فإن «عائلة اللبان كانت تنوي قبل نحو شهر نقل الإدارة من سمر إلى ابنتها ساندرا، على أن تقطع أي علاقة لسمر بالمستشفى. في حين أن عدداً من المستثمرين عرضوا الدخول كشركاء في إدارة الفنار وتسديد ديونه المتراكمة لتجار الأدوية والمواد الغذائية ومحطات الوقود». أما الموظفون الذين مضى على عدم قبضهم لرواتبهم أكثر من عامين، فيؤكد المصدر بأن من واجب أصحاب المستشفى تسديد مستحقاتهم، لافتاً إلى أن معظمهم فلسطينيون.
وكان إبراهيم اوقف اللبان والحلو بتهمة الإهمال وهدر المال العام. مصدر متابع للتحقيقات ربط توقيف الحلو بـ«مسؤوليته عن عدم التحرك لمعالجة الوضع الكارثي في الفنار من خلال التفقد الدوري لأحواله وهذا ضمن مهامه». ولفت إلى أن مصلحة الصحة في الجنوب التابعة للوزارة قدمت قبل أسابيع تقريراً عن حال المستشفى، من دون اتخاذ الخطوات اللازمة.