بصرف النظر عن أنّ رئيس التفتيش المركزي، جورج عطيّة، بات يُنافس على مركز «بطل العالم» في عدد الإطلالات الإعلاميّة، وبصرف النظر، مرّة أخرى، عن كيفيّة إيجاده الوقت اللازم لـ«يُفتّش»... وبعيداً عن أيّ ملاحظة أخرى، فإنّ ثمّة «فظاعة» تفوّه بها أخيراً ومرّت مرور «العادي». قال عطيّة في إحدى إطلالاته التلفزيونيّة: «أنا بقول للشخص يلي كان فاسد ومستغل وظيفته، بنصحك هلق تكون ذكي وتوقّف، هلق آخدين قرار إنّو كل شخص منفتحله ملف عن جديد فرح نكون عن ننكش الماضي، لأن هيدا الإنسان بكون مقرّر إنو يكون متمادي». ما الذي يعنيه هذا؟ هذا جواب واضح للسؤال التاريخي في لبنان: ما الذي يفعله التفتيش المركزي؟ هذا جواب يُترجَم كالآتي: لدينا ملفّات الفاسدين مِن الموظفين، مِن الكبار والصغار، ولكننا لم نكن نفتحها وكنّا نكدسها، لألف «واسطة» وسبب... ولكن الآن مَن يُريد أن يستمر في فساده، كموظّف حكومي، سنقبض عليه في جرمه الحالي ثم «سننبش» له ملفاته القديمة «المنيّمة». ما يقوله رئيس التفتيش المركزي اليوم، بهذه الكلمات، هو تطبيق تام لمقولة: «عفا الله عمّا مضى». أكثر مِن قانوني، مِن قضاة ومحامين، سألوا بعد تصريح عطية: «مِن أين له الحق بأن يعفو على ذوقه؟ هل الأموال التي نُهبت في السابق، وصولاً إلى السنة التي نحن فيها، يُتسامح فيها هكذا؟ هل هذه سياسة الدولة العليا، تجاه ملفات الفساد، أمّ أنّها شطحة مِن شطحات رئيس التفتيش؟». كأنّه يقول نعرف الفاسدين، كلّهم، ولكننا نتركهم كما تركهم أسلافنا في هذا الموقع. الأخطر أنّ رئيس التفتيش يقبل أن يبقى الموظف الفاسد، الذي سرق على مدى سنوات وربّما عقود مِن الزمن، في موقعه الوظيفي نفسه حاليّاً، شرط أن ينجح بأن يكون «ذكيّاً» في هذه المرحلة. الآن الجميع يتحدّث عن مكافحة الفساد، هذه هي الأغنيّة «الضاربة» على ألسن السياسيين حاليّاً، لكن غداً، أو بعد غد، ستنتهي هذه «الهمروجة» ويعود الجميع إلى ما كانوا عليه. أصلاً كيف تكون هناك ثقة، مجدداً، بموظف كهذا ويؤتمن على معاملات الناس الحكوميّة؟على أحد ما أن يُحاسب رئيس التفتيش المذكور على «فتواه» الأخيرة. لكن مَن يفتّش خلف رئيس التفتيش؟ هذه حزورة قانونيّة (فضلاً عن كونها سياسيّة). هو في نهاية الأمر موظّف، يرتبط مباشرة برئاسة مجلس النواب، والأخيرة هي الجهة التي يُمكنها أن تُحيله إلى «التأديب» لو شاءت. هذا نظريّاً. على أحد ما، ووفقاً للقانون، أن «يفتح» لرئيس التفتيش ملفاته كلّها، ومِنها، على سبيل المثال، تمنّعه عن إحالة قضايا إلى الهيئة العليا للتأديب. هذه الهيئة التي باتت، تقريباً، بلا عمل لأن التفتيش لا يُرسِل إليها أيّ موظف لتعاقبه. كأنّ البلاد لا يوجد فيها فاسدون؟ هناك مَن يتندّر على قلّة القرارات التي يتّخذها التفتيش، سنويّاً، ويُقارن بين عددها والمبلغ الذي يُدفع له بحسب الموازنة. نحو 11 مليار ليرة تُدفع للتفتيش، في حين أن قراراته، خلال العام الماضي، لم تتجاوز العشرين فقط. هذا يعني أن كلّ قرار يُكلّف الدولة مليار ليرة. فاسد واحد يُكلّف الخزينة أكثر مِما سرق اصلاً. هكذا تخسر الخزينة بفعل سرقة الموظف، خاصّة إذا كان «كبيراً» في موقعه، ثم تخسر بدفعها أموالاً للجهاز الرقابي الذي يُموّل مِن أجل معاقبته... ثم لا يُعاقبه. باختصار، ما سلف يعني أنّه لو ألغي التفتيش مِن أصله، وفق هذه المعادلة، ستكون المسألة أربح للدولة.