في 17 كانون الثاني 2019، نُشر في الجريدة الرسمية علم وخبر بتأسيس جمعية باسم «تشجيع تبادل الإنترنت في لبنان» (Lebanese internet exchange). بحسب العلم والخبر، فإن مؤسسي الجمعية هم: عماد كريدية، باتريك فاراجيان، نبيل بو خالد، سلام يمّوت، مارون شماس، روني القدوم ونبيل يمّوت.ما الذي جمع كل هذه الأسماء في جمعية واحدة؟ وما مهمة هذه الجمعية التي يفترض أنها لا تبتغي الربح؟
كريدية هو الرئيس - المدير العام لأوجيرو. فاراجيان هو رئيس - المدير العام لشركة سوديتيل لتوزيع خدمات الإنترنت، شمّاس هو رئيس شركة IDM لتوزيع خدمات الإنترنت، سلام يمّوت هي ممثلة الجمعية الأميركية ISOC في منطقة الشرق الأوسط. نبيل يمّوت هو مستشار الرئيس سعد الحريري، ومستشار وزير الاتصالات السابق، وعضو في المكتب السياسي لتيار المستقبل. نبيل بو خالد هو عضو مجلس إدارة جمعية LINC المخصصة لإدارة نطاقات الإنترنت، التي أوقف ترخيصها، قبل أن يقر مجلس النواب جمعية مشابهة.
وظيفة الجمعية هي، بحسب شمّاس، تركيز عمليات الاتصال بالإنترنت داخل لبنان، بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على الاتصالات الدولية لتنفيذ عمليات التواصل عبر البريد الإلكتروني داخلياً.
بغضّ النظر عن وظيفة الجمعية، لا يمكن هنا إلا ملاحظة تضارب المصالح بين أعضائها، فالشركات الثلاث لتقديم خدمات الإنترنت في علاقة تعاقدية مع وزارة الاتصالات وأوجيرو، وكذلك على علاقة تنافسية مع أوجيرو. وبالتالي، إن وجود كريدية، وكذلك يمّوت، على الطاولة نفسها وفي الجمعية نفسها مع الشركات العاملة مع أوجيرو ومع وزارة الاتصالات، إنما يخلط الأوراق بين ممثل الدولة وممثلي الشركات الخاصة، ويجعل تضارب المصالح بين الأطراف المجتمعة في الجمعية صارخاً، فحيناً تكون الشركات زبوناً عند الدولة، وحيناً تكون شريكاً لها.
أدرك كريدية ذلك متأخراً. قبل ذلك، كان يدافع عن وجوده شخصياً في الجمعية، انطلاقاً من أنها تهدف إلى التعاون بين أوجيرو والشركات الخاصة لتخفيض كلفة حركة الإنترنت، وانطلاقاً من أن جمعية لا تبتغي الربح لا يمكن أن تتألف من شركات وهيئات رسمية. لكنه مع الوقت، وبعد تحذيرات عديدة تلقاها، تتعلق بتقاطع المصالح بين عمله في أوجيرو وعمله في الجمعية، إضافة إلى كونه موظفاً حكومياً، ما يعني أن انتسابه إلى جمعية يتطلب موافقات خاصة، أعلن كريدية ويمّوت انسحابهما من الجمعية. هذا ما أكده رئيس لجنة الاتصالات النائب حسين الحاج حسن، بعد جلسة اللجنة أمس. إذ أوضح أنه «نتيجة إشارة لجنة الإعلام والاتصالات وأنا شخصياً لسعادة المدير العام لأوجيرو إلى أن في الأمر تضارباً في المصالح، أعلمنا المدير العام لأوجيرو أنه انسحب وأحد مستشاري وزير الاتصالات السابقين، من الجمعية نتيجة تضارب المصالح هذا، إذ لا يعقل أن يكون أحد المديرين العامين وهو موظف رسمي عضواً في جمعية مع القطاع الخاص لتبادل الإنترنت بين القطاعين العام والخاص».
الحاج حسن: لا يُعقل أن يكون موظف رسمي عضواً في جمعية لتبادل الإنترنت مع القطاع الخاص


هل هذا يعني أن الجمعية التي أنشئت لتجمع بين القطاعين الخاص والعام قد انتهت؟ يؤكد رئيس مجلس إدارة «أي دي أم» حبيب طربيه لـ«الأخبار» أن الجمعية باقية، حتى لو بغياب ممثلي أوجيرو والوزارة. ويوضح أيضاً أنه إذا كان الهدف منها تبادل الإنترنت مع أوجيرو، فإن هذا الهدف لن يتغير، إذ يُفترض أن تستفيد أوجيرو من الخدمة التي ستُنظمها الجمعية، أي تبادل الإنترنت، لكن من دون أن تكون عضواً رسمياً فيها، أسوة بالشركات الأخرى التي يمكن أن تستفيد من الخدمة.
هل هذا يعني أنه كان بالإمكان ضمّ أوجيرو إلى خدمة تبادل الإنترنت، من دون أن يكون هنالك أي جمعية؟ لا ينكر طربيه ذلك، لكنه يوضح أنه بعدما عُرض على أوجيرو أن تنضم إلى مركز تبادل الإنترنت داخلياً، اقترحت أن يصار إلى تأسيس جمعية، انطلاقاً من رغبتها في أن يأخذ الأمر طابعاً مؤسساتياً، حيث يمكن وضع شروط واضحة لكيفية استفادة شركات «أي أس بي» من تبادل الإنترنت. وبالفعل، كان لأوجيرو ما أرادت، فأنشئت الجمعية، وطوال شهرين، لم تتنبه إدارتها إلى تضارب المصالح، إلى أن أعلمها بذلك الحاج حسن، فكان الانسحاب، الذي أُعلن أمس.
وبناءً عليه، فإن الجمعية التي لم تبدأ بالعمل بعد، ستكون مهمتها تنظيم مشاركة أي شركة أو جهة تريد الانضمام إلى خدمة تبادل الإنترنت محلياً، في سبيل تحويل حركة البريد الإلكتروني من حركة تجري بين مستخدمين في لبنان مروراً ببلدان أخرى حيث توجد الخوادم، إلى حركة تبقى داخل لبنان، ما يوفر على الشركات أموالاً طائلة تدفعها إلى اتصال بالإنترنت الدولي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الخدمة كانت متوافرة منذ نحو ثماني سنوات، لكنها كانت محصورة بين عشر شركات خدمات تعاونت فيما بينها وجهزت مركزاً لتبادل الإنترنت تستضيفه حالياً جمعية «بيريتيك». وبحسب طربيه، كانت قدرات المركز محدودة، وبالتالي لضم أوجيرو وغيرها من الشركات، يجب زيادة قدراته وإضافة خوادم أخرى إليه. وهو ما ستقوم به الجمعية، حيث سيتقاسم المستفيدون من خدماتها التكاليف.
وعملياً، ستقتصر عملية التبادل على خدمات البريد الإلكتروني المنشأة في لبنان (المشغّلة عبر سرفيرات شركات الإنترنت وأوجيرو)، التي يستعملها، بحسب إحصاءات الشركات نحو 40 في المئة من مشتركيها. علماً أن هذه العملية لن تشمل عمليات التواصل عبر «جي ميل» أو «هوت ميل» أو غيرها من خدمات البريد العالمية التي تتوزع خوادمها في بلدان عدة.