قدّم وزير الصناعة وائل أبو فاعور، إخباراً أمام النائب العام المالي، متخذاً صفة الادعاء الشخصي، على المفتّش في الضمان الاجتماعي عماد عواضة، زاعماً أنه يبتزّ الصناعيين ويطلب أموالاً مقابل إنجاز معاملاتهم. الوقائع كشفت عن مسرحية الوزير المشهور بـ«شعبويته»، إذ ورد اسم عواضة عرضاً في سياق ردّ الصناعي شربل مدوّر على سؤال وجّهه الوزير عن اسم المفتش الذي يدرس ملف شركته، من دون أن يوجّه أي اتهام!اعتاد وزير الصناعة وائل أبو فاعور على الشعبوية في مقاربة ملفات وزارته. هذا الأسلوب اعتمده أثناء توليه وزارة الصحة يوم كان ينشر لوائح بأسماء المؤسسات الغذائية التي لا تطابق المواصفات. اكتسب الوزير شعبية واسعة من فتح هذا الملف، ما دفعه إلى محاولة تكرار التجربة في وزارة الصناعة، فانتقل من التشهير بالمؤسسات إلى الدفاع عنها خدمة لأصحاب العمل الصناعيين. فهو قدّم أول من أمس، إخباراً أمام النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، متخذاً صفة الادعاء الشخصي، على مفتش في الضمان، زاعماً أنه يبتزّ الصناعيين ويطلب أموالاً مقابل إنجاز معاملاتهم. ثم جرى تسريب اسم المفتش عماد عواضة على أنه المفتّش المعني.
خلال الساعات اللاحقة للتسريب، ظهرت وقائع تناقض كلام الوزير. مستشار وزير الصناعة فارس الشوفي، قال لـ«الأخبار» إن أبو فاعور استند إلى كلام صاحب مصنع «رميكو» شربل مدوّر لإطلاق اتهاماته بحق المفتش، موضحاً أن مدوّر يعمل في مجال صناعة الأحذية، وأنه كان حاضراً في اجتماع عقد أول من أمس مع وفد من صناعيي الشويفات وكفرشيما حين وجّه الاتهامات المذكورة.
الوقائع ذات الصلة بالملف، بحسب أكثر من صناعي اتصلت بهم «الأخبار»، تشير إلى أن مدوّر لم يوجّه أي اتهامات، بل كان هناك نقاش بين الوزير ومجموعة من الصناعيين من الشويفات وكفرشيما عن أكلاف الإنتاج المرتفعة، ومنها الاشتراكات المتوجبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. هذه الاشتراكات التي يوجب القانون فرض الالتزام بها أحياناً بموجب تقارير تفتيش، وهو ما دفع بعض المؤسسات إلى الشكوى من نتائج التفتيش التي تتضمن غرامات وزيادات تأخير. عندها وجّه أبو فاعور سؤالاً إلى مدوّر عن اسم المفتش الذي يدرس شركته، فأجابه: «عماد عواضة».
وتتقاطع مصادر عدد من الصناعيين عند كلام مدوّر في الاجتماع، إذ تبيّن أنه لم يوجّه أي اتهام بالابتزاز المالي، بل كانت هناك شكوى من عدد من الصناعيين، بينهم مدوّر، أن المبالغ المترتبة على المؤسسات للضمان تزداد إذا كان هناك تأخير أو تخلف عن السداد.
هدف أبو فاعور هو «الردّ» على عدم الاستجابة لمطلب حماية موظف مشتبه فيه بالفساد


في الواقع، المشكلة تكمن في أصحاب العمل أنفسهم (سواء كانوا صناعيين أو تجاراً أو غيرهم) الذين يتخلّفون عن تسديد متوجباتهم للضمان الاجتماعي. هؤلاء هم المشكلة الفعلية، إذ إنهم يتخلفون عن سداد المتوجبات للضمان، ثم يتبين أنهم يحتاجون إلى براءة ذمّة من الصندوق لاستخدامها في عمليات انتقال الإرث أو تعديل الاسم أو إبرازها في مناقصات عمومية أو في الجمارك لتخليص بضائعهم أو سواها (بعضهم يخضع لأعمال التفتيش الدورية ضمن جداول المهمات السنوية)… لذا، فإنه في ظل تخلفهم عن السداد، لا يمكنهم استصدار براءة الذمة إلا بعد إخضاع مؤسساتهم للدرس من جهاز التفتيش في الضمان. وهذا التفتيش منصوص عليه في أنظمة الصندوق من أجل تكليفهم بسداد أصل المبالغ المتهرب منها أو المكسورة عليهم مع زيادات تأخير وغرامات. لاحقاً يصرخ هؤلاء من المبالغ المتوجبة عليهم ويدّعون في الغالب أن قسماً منها غير متوجب عليهم.
هذ الأمر حصل مع أكثر من صناعي كان خاضعاً للدرس من قبل التفتيش في الضمان. فعلى سبيل المثال، تشير المصادر إلى أن رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، خضع قبل أشهر للتفتيش على يد عواضة نفسه المتهم بالابتزاز المالي. يملك الجميل مصنعاً للكرتون، درس الملف أظهر أن الجميل يدفع كل الاشتراكات المتوجبة عليه، ما عدا واحدة متصلة بالعمال الأجانب، فتم تكليفه بتسديدها. الجميل لم يكن راضياً في البدء، إذ لم يكن يعلم بأن هذه البنود تخضع لاشتراكات الضمان، فاتصل بممثل الصناعيين في مجلس إدارة الضمان هاني أبو جودة وسأله عن القضية، فأجابه الأخير بصحّة تقرير التفتيش ودقّته، فاقتنع ثم سدّد ما يتوجب عليه للصندوق، من دون أن يشير أو يلمح إلى وجود أي عملية ابتزاز أو سواها.
ثمة مثال ثانٍ عن تفتيش قام به عواضة على شركة «بيبسي كولا» المملوكة من عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين وليد عساف. وبحسب صناعيين على علم بمجريات هذا الأمر، فإنه لم يكن هناك أي محاولات ابتزاز أو ما شابه. وبحسب زملاء عواضة في الضمان، فإن هذا المفتّش يملك سمعة حسنة، فضلاً عن أنه يعيش في منزل مستأجر ولا يملك هو أو زوجته أي عقار باسمهما.
إذاً، أي ملف سيكون أمام القاضي علي إبراهيم؟ حتى الآن، الملف المرسل من وزير الصناعة يكاد يكون خالياً إلا من بضعة أسطر تشير إلى أن الصناعيين يتعرضون للابتزاز على يد عماد عواضة. إخبار أبو فاعور فيه الكثير من السريالية، إذ إن من الغريب أن يكون المشتكون هم الصناعيون، من دون تحديد هوية أي منهم وكيفية حصول الابتزاز. كما أن أبو فاعور نفسه، قال لمحطة الـ LBCI إنه ليس هناك دلائل على شكل تسجيلات تثبت هذه الادعاءات، لكنه يفضل أن يقدّم الحماية للصناعيين من إجراءات انتقامية.
بمعنى آخر، يطلب أبو فاعور من التفتيش في الضمان أن يخالف القوانين من أجل تقديم أوراق اعتماده أمام الصناعيين. هذا الاستسهال في التشهير لن يكون بهذه السهولة أمام القاضي إبراهيم، إذ إن هذا الأخير وجد أن الملف شبه خال، فبدأ يستدعي أصحاب العلاقة لتكوين ملف، وبدأ باستدعاء رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل الذي قدّم معلومات عامة عن الصناعيين وعن علاقتهم بالضمان. وقد استدعى إبراهيم، هاني أبو جودة وغازي يحيى اللذين يمثّلان جمعية الصناعيين في مجلس إدارة الضمان للاستماع إلى إفادتهما يوم الثلاثاء المقبل.
الواضح أن خطوات الوزير «شعبوية» تهدف إلى كسب ودّ أصحاب العمل الصناعيين الذين كان يشهّر بقسم منهم في السابق بسبب عدم مطابقته للمواصفات الغذائية، إلا أن مصادر في الضمان تشير إلى أن الهدف هو «ردّ الكفّ» الذي تلقاه من إدارة الصندوق حين أراد التوسّط لمنذر عربيد المتهم باختلاس أموال الضمان في قضية «بعينو» وهدرها. يومها لم تستجب إدارة الضمان لمحاولات أبو فاعور منع المجلس التأديبي من اتخاذ العقوبات بحق عربيد.