بعد تسعة أشهر من الانتظار وُلدت الحكومة وكأنها في حالة «موت سريري». أما الإنجازات والإصلاحات التي وعد بها البيان الوزاري، فبدورها تجمّدت من دون أي تحرّك. لم تصمد التفاهمات التي أدت إلى تأليف الحكومة أكثر من ثلاث جلسات، بعدما استشعر الجميع هشاشة التوافق في الجلسة الأولى. يومها فتح ملف زيارة عدد من الوزراء إلى سوريا، وكان الرد حاسماً من رئيس الجمهورية، الذي ضرب بكفه على الطاولة، معلناً أن الأمر له في ما يتعلق بقضية العلاقة مع سوريا، وعطفاً عليها في قضية النازحين.تلك كانت الإشارة الأولى إلى أن حكومة إلى العمل لن تعمل، لأنها تحمل في طيّاتها كل عناصر التفجير. انتظر اللبنانيون جلسات دسمة، تبدأ بمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، إلا أن الانتظار طال، وبدل معالجة أزمات البلد، فضّل الوزراء، على سبيل التسوية، البدء بمعالجة المخالفات التي ارتكبت في فترة تصريف الأعمال.
زيارة الوزير جبران باسيل لبيت الوسط، يوم الخميس الماضي، ثبّتت ما كان قد ظهر من إشارات. ما كاد يخرج باسيل من بيت الوسط، حتى فُتحت النار على التسوية الهشّة. لم تكن خطة الكهرباء التي عرضها باسيل هي نقطة الخلاف الوحيدة. الأساس، بحسب مصادر متابعة، كان ملف التعيينات. لباسيل قرار بالاستحواذ على أكثر من 90 في المئة من الحصة المسيحية. وهو ما لم يوافق عليه الحريري. كذلك، بدا تسريب خطة الكهرباء من قبل مصادر بيت الوسط، قراراً بإجهاضها في مهدها.
لكن هل يستأهل هذا الخلاف فتح ملف التسوية الرئاسية من قبل المستقبل؟ ذلك أمر يحمل في طياته إشارة إلى خلافات أكبر من تلك المتعلقة بعمل مجلس الوزراء، التي يمكن أن يصل الطرفان فيها إلى نقطة التقاء، على ما تدل تجربة العلاقة بينهما.
وصلت الرسالة إلى باسيل، وبادلها بأقوى منها، واضعاً مؤتمر بروكسل بمكانة المؤامرة على لبنان. وهو ما طال بسهامه الحريري الذي ترأس الوفد اللبناني، علماً بأن باسيل عاد وأكد، في المؤتمر السنوي للتيار الوطني الحر، أن «أهداف التيار في السنة المقبلة هي النازحون والفساد والاقتصاد، وإذا كان هناك من يراهن على أن من الممكن أن نتخلى ونساوم على البلد والمبادئ من أجل شيء آخر، فيكون لا يفهمنا، لأنني أنا أول من قلت إن البلد أكبر من الرئيس والرئيس بخدمة البلد وليس البلد بخدمة الرئيس».
الأكيد أن «التقرير الطبي» المفتوح الذي قدمه الحريري، يصعّب الأمور ويجعل حتى انعقاد مجلس الوزراء في دائرة المجهول، لا بل إنه يعلن بدء معركة فعلية بين قطبي التسوية الرئاسية ــ الحكومية، لا يمكن عزل زيارة الحريري إلى الرياض عنها، بل يقع في صلبها ما سمعه الحريري من كلام سياسي متشدد في الاجتماع الذي عقد في السعودية مع ولي العهد محمد بن سلمان الأسبوع الفائت.
في المقابل، تؤكد مصادر وزارية أن التسوية لم تسقط، وأن الحريري وباسيل لن يختلفا في العمق. فهما متفقان على غالبية العناوين، وأن الايام المقبلة ستشهد عودة إلى التهدئة. وبحسب المصادر، من المحتمل أن تتم اليوم الدعوة إلى انعقاد جلسة لمجلس الورزاء هذا الأسبوع، لافتة إلى أن التعيينات الإدارية لن تفتح باباً للخلاف بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية، لأنهما اتفقا على عناوينها العريضة في اللقاءات الباريسية التي فتحت باب تأليف الحكومة. وتجزم المصادر بأن حصة القوى السياسية من غير القوى الكبرى في طوائفها (تيار المستقبل، التيار الوطني الحر، الحزب التقدمي الاشتراكي) ستكون صغيرة للغاية: مركز وحيد للنائب طلال أرسلان، وآخر لتيار المردة، ومثله للقوات اللبنانية، ومثله للقاء التشاوري. أما المراكز التي يشغلها موظفون شيعة، فستذهب جميعها للذين يختارهم ثنائي حركة أمل وحزب الله. وربما تكون العقدة في بعض المراكز التي يشغلها موظفون مسيحيون في وزارات «تابعة» لتيار المستقبل، كالداخلية مثلاً. وتقول المصادر إن دليلها على أن العلاقة بين الحريري وباسيل ستعود إلى سابق عهدها هو خفض مستوى التراشق الإعلامي بين الطرفين عمّا كان عليه يومي الخميس والجمعة الماضيين، فضلاً عن تعميم باسيل على نواب التيار ووزرائه ومسؤوليه بعدم استهداف تيار المستقبل في أي هجوم سياسي أو إعلامي.