47 في المئة من سكان لبنان لا يحصلون على مياه صالحة الشرب وللاستخدام، بحسب الخبير الألماني في المعهد الاتحادي لعلوم الأرض والموارد الطبيعية البروفسور رالف كلينغبيل. هذه النسبة تضم إلى اللبنانيين، اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين. وهي، رغم ضخامتها، تبدو «بديهية» نسبة لما يعانيه قطاع المياه في لبنان على أكثر من صعيد، خصوصاً في التخطيط والإدارة، وهو ما كان موضوع نقاش في «المنتدى اللبناني للمياه» الذي عقده أمس معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، بالشراكة مع وزارة الطاقة والمياه و«أوكسفام».قطاع الصرف الصحي كان في صلب النقاش. فما «بين 60 و70 في المئة من المياه الجوفية تستنزف في ري المزروعات» وفق المستشارة في وزارة الطاقة والمياه سوزي حويك، فيما «يفترض أن تكون المياه العادمة المُعالجة جزءاً أساسياً من منظومة المياه الري والحفاظ على الثروة المائية». حويك أكدت أن محطات التكرير الحالية لا تزال تستند إلى المعالجة الأولى (التخلص من المواد الصلبة)، موضحة ضرورة تعديل الاستراتيجية الوطنية للمياه من أجل «الوصول إلى المعالجة الثالثة التي تجعل مياه المجارير صالحة لري المزروعات». في السياق نفسه، أشار رئيس مؤسسة مياه الشمال خالد عبيد إلى أن لبنان استيقظ على قطاع الصرف الصحي متأخراً «فحتى عام 1990 لم تكن هناك محطات تكرير في لبنان، وقد ألحق هذا القطاع عام 2001 بمؤسسات مياه لبنان». مشكلة محطات التكرير، وفق عبيد، أن مؤسسات المياه تسلمتها من مجلس الإنماء والإعمار «من دون دراية لا بمواصفاتها ولا بالمتعهدين ولا بالتلزيم. ثم يقولون إنها مسؤوليتنا». من جهته، أشار رئيس مؤسسة مياه البقاع رزق رزق إلى أن البقاع يحتاج إلى جباية رسوم من المواطنين للتشغيل وصيانة المحطات بشكل دوري «لأن الهبات ليست متوفرة دائماً ولا الدولة تموّلنا طوال الوقت». وأوضح أن «الكلفة التشغيلية لمحطة تكرير زحلة، مثلاً، تقدر بـ 150 ألف دولار شهرياً، فيما معالجة الحمأة تستلزم 300 ألف دولار. وعندما طرحنا موضوع الجباية من المواطنين قامت الدنيا ولم تقعد». وفيما لفت عبيد إلى أن بعض البلديات «لا تزال تستوفي رسوما على المجاري التي ترميها في الوديان أو تحولها إلى البحر فيما مسؤولية مؤسسات المياه الجباية للاستثمار في هذا المجال»، رأى أن الازدواجية تفقد المواطن الثقة بقطاع المياه ككل، مشدداً على ضرورة أن تنضوي كل المشاريع المتعلقة في المياه في المنظومة المائية لوزارة الطاقة والمياه وليس البلديات التي «تنتج مشاريعها وفق اعتبارات سياسية».
المحاورون أجمعوا على أن لجان ومصالح المياه والبلديات تزاحم مؤسسات المياه على عملها رغم أن القانون 221 الذي صدر عام 2000 ألغى عمل اللجان ومصالح المياه في لبنان ونقل كل الصلاحيات إلى مؤسسات المياه الأربع. «ما يعني حكماً أن تحلّ جميع اللجان» وفق عبيد. لكن حتى الآن استلمت مؤسسة مياه الجنوب 5 لجان من أصل 20 لجنة، ومؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان 4 لجان من أصل 18، فيما في البقاع ثمة ضغوطات سياسية لعدم حل اللجان لأن «المياه مادة انتخابية»، بحسب رزق. أما في الشمال فلا تزال هناك 6 لجان «وهي تستثمر سياسياً ومالياً من دون إدارة ولا صيانة» وفق عبيد. من جهته، لفت رزق إلى أن «77 بلدية بقاعية تدير المياه من دون الرجوع إلى مؤسسة مياه البقاع».
«الأمور تسير في السكة الصحيحة في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان» بحسب رئيس المؤسسة جان جبران «ولو أن المسؤولية ضخمة. فالمؤسسة تؤمن خدمة توزيع المياه لمليونين ونصف مليون مواطن» أي ما يقارب نصف سكان لبنان. هدف المؤسسة «أن يشرب اللبناني المياه من حنفية المنزل ويتوقف عن شراء عبوات البلاستيك». هذا الهدف «الطوباوي» دونه الكثير من العقبات، وفق جبران، حيث تعاني المؤسسة من نقص في عدد الموظفين بسبب إقفال باب التوظيف «وثمة عدد لا بأس به من العاملين من موظفي غب الطلب ومن دون كفاءة»، بالإضافة إلى كثرة التعديات على شبكات المياه وغيرها من العقبات.
المنتدون تطرقوا أيضاً إلى تضارب مشاريع الجهات المانحة وعدم التنسيق في ما بينها، وبينها وبين مؤسسات المياه، و«لجوء الجهات المانحة إلى منظمات غير حكومية لتنفيذ مشاريعها وليس إلى الدولة»، كما يؤكد الخبير البيئي نديم فرج الله الذي أشار إلى «شكوك كثيرة تطاول أداء بعض الجمعيات غير الأهلية في صرف الأموال على مشاريع المياه وعلاقتها مع بعض السياسيين».