شُغِلت مدينة النبطية، أخيراً، بشائعة إزالة سوق اللحم واستبداله بمركز تجاري. السوق الذي يشكل جزءاً من «فولكلور» المدينة منذ عام 1952، يقع على عقار تملكه جمعية المقاصد الخيرية في النبطية، ويضم محال صغيرة متلاصقة تبيع اللحوم والخضر والأعشاب والبهارات، فضلاً عن أخرى لتصليح الأحذية. سابقاً، أثار السوق نقاشاً لم يُفضِ إلى نتيجة، بين بلدية النبطية والجمعيات والفعاليات الأهلية في شأن المحافظة عليه في مكانه أو نقله من وسط المدينة إلى أطرافها. مدير الهيئة الإدارية في جمعية المقاصد كمال جابر أكّد أن ما يتردّد عن نية لهدم السوق «ثرثرة وتنقير ناجمان عن خلافات شخصية بين مطلقيها وإدارة الجمعية». ورغم أن السوق «ليس تراثياً بل مجموعة تنّاكيات ويشكل مصدراً للتلوث البيئي والبصري وسط السوق التجاري»، بحسب جابر، إلا أنه «باقٍ من دون إزالة أو تغيير في الوقت الحاضر». وفيما يربط البعض قرار عدم المساس بالسوق بـ«عدم قدرة الجمعية على دفع بدلات إخلاء لشاغلي المحال»، يحصر جابر الأمر بأن «لا مصلحة لنا بالمسّ بعادات أهل المنطقة، خصوصاً المقيمين خارجها الذين يجدون في ترويقة اللحم في السوق بجانب موقدة الفحم طقساً متوارثاً». من جهته، يشير محاسب الجمعية حسن بيطار الى أن ما قامت به «المقاصد» أخيراً هو «تنظيم عقود الإيجار مع شاغلي المحال لتحديد المستأجرين الحاليين بعد وفاة المستأجرين الأصليين». ولفت إلى أن الجمعية لا تزال تستوفي بدلات إيجار رمزية من الشاغلين لا يزيد مجموعها على مليوني ليرة سنوياً.خضع السوق لتغييرات عدة. في أصل إنشائه، كان خاناً مركزياً لبيع المواشي والحمير والجمال، يفد إليه الناس من حواضر جبل عامل وجزين، معتمدين على مبدأ المقايضة في البيع والشراء: اللحم مقابل الخضر والزيتون والقمح (...). تدريجاً، تحول الخان إلى تجمع لبسطات بيع الخضر بشكل رئيسي واللحوم. وكان يتمدد إلى الساحة العامة على بعد أمتار، بشكل عشوائي، قبل أن تحصره الشرطة في موقعه الحالي في الوسط التجاري للمدينة. مطلع الخمسينيات، اشترت جمعية المقاصد العقار الذي يقوم عليه التجمع وقامت بتنظيمه وإعلانه سوقاً لبيع اللحوم والخضر. في اجتياح عام 1982، قصف العدو الإسرائيلي السوق وسقط شهيدان من أهله هما علي بدر الدين وسليمان منصور. خلال ورشة ترميمه، استبدلت البسطات الخشبية بألواح من الألومينيوم. وبعد سنوات، حاولت بلدية النبطية إزالة البسطات، من دون جدوى. بعد عدوان تموز 2006، شملت ورشة الترميم، توحيد واجهات المحال وتلبيس الجدران بأحجار رملية ورصف الأرضية بالبلاط واستحداث مجار لتصريف المياه العادمة وتركيب أبواب لإقفال مداخله بعد انتهاء دوام العمل. وتُخضِع البلدية الحالية المحال لنظام رقابي صحي صارم يشمل إجبار القصابين على ذبح المواشي في المسلخ المركزي للمدينة، والاستحصال على شهادات صحية. لكنه، في السنوات الأخيرة، لم يعد يحتكر جميع متذوّقي اللحم من أبناء المنطقة والزوار. التغييرات الشكلية التي أُخضِع لها السوق التجاري في محيطه، من تحويل الطرق وتضييق الشوارع، هرّب الكثير من الزبائن من زحمة وسط المدينة الى المحال المنتشرة في الأطراف.