قبل أشهرٍ، كان «الخبر» الأول في البلد، تمثيل أو عدم تمثيل «اللقاء التشاوري» (المؤلف من النواب عبد الرحيم مراد، فيصل كرامي، جهاد الصمد، الوليد سكرية، عدنان طرابلسي، قاسم هاشم) في مجلس الوزراء. ما إن تحقق الهدف، وأُعلنت حكومة عهد الرئيس ميشال عون الثانية، بضم الوزير حسن مراد إليها، حتى أُبعدت الأضواء عن النواب الستة. أتى ذلك في «سياق طبيعي»، لتطور الأحداث. بقي أعضاء «التشاوري» يجتمعون دورياً، ويُصدرون البيانات، لكن من دون أن يكونوا «عنواناً» رئيسياً. وأصبح الحديث عنهم يتخذ أشكالاً أخرى، مثل «الشك» في ما إذا كان حسن مراد لا يزال مُمثلاً عن الستة، أو نجح الوزير جبران باسيل في «سحبه» إلى جبهته، أو سؤال عدد من المتابعين عن الجدوى من بقاء اللقاء على شكله الحالي، بعد أن انتهت المهمة التي وُجد لأجلها، وهي التمثيل الوزاري. منذ أيام، عادت وتيرة الحديث عن «صمود» اللقاء التشاوري لترتفع، نتيجة أمورٍ عدّة: تزامن بيانٍ صدر عن «اللقاء» يُنبّه من «محاولة البعض الهيمنة على قرار الحكومة»، والإيحاء بأنّ باسيل هو المقصود، مع الإفطار الحاشد الذي نظمه حزب الاتحاد (مراد) في البقاع الغربي على شرف وزير الخارجية والمغتربين السبت الماضي؛ هجوم جهاد الصمد، المباشر والدوري، ضدّ باسيل الذي «يدير الملفات الأمنية والسياسية وغيرها... ورئيس الحكومة سعد الحريري يُنفذ ما يقوله له باسيل»؛ تسجيل «التشاوري» ملاحظات على خطة الكهرباء مقابل تأييد حسن مراد لها داخل جلسة مجلس الوزراء؛ السحور الذي أقامه باسيل في منزله، يوم الجمعة الفائت، لفيصل كرامي، في اليوم نفسه الذي كان نائب البترون يقوم بجولةٍ في طرابلس، ما اعتبره سياسيون شماليون نقطة تُسجّل لباسيل لأنه ثبّت قاعدة أنّه «مرجعية» تُزار ولا تزور... كلها مؤشرات، «تُبرّر» السؤال عن مصير اللقاء التشاوري والغاية منه، خاصة أنّ كل واحد من النواب الستة، ينتمي في الأصل إلى كتلة نيابية.غاية الوجود هي «كسر الاحتكار وتظهير التنوع داخل الطائفة السنية، من دون أن يكون مُفتعلاً من قبل حزب الله»، يقول جهاد الصمد. بالنسبة إلى نائب الضنية، «وُجد اللقاء ليستمر، ونحن نتشاور ونأخذ المواقف المناسبة». مراقبة بسيطة لليوميات السياسية، تُظهر تناقضاً بين كلام الصمد عن «تشاور» و«تنسيق»، وبين ما يظهر للعلن من أنّ كلّ نائب في «التشاوري» يتخذ الموقف الذي يتناسب مع مصلحته. فحتى لو اجتمع الأعضاء دورياً، وأصدروا بياناً موحداً ينتقدون فيه رئيس الحكومة الذي «أصبح بالممارسة أقل من رئيس لجنة وزارية»، و«غياب الرؤية الاقتصادية» عن الموازنة، وغيرها من الملاحظات... ولكن عملياً، الوحيد الذي يرفع الصوت وينتقد ويوجه أسهمه مباشرة صوب جبران باسيل هو الصمد. أما البقية، فمع انتهاء اجتماع «التشاوري» يتسحرون ويفطرون مع وزير الخارجية، ويُهادنون فلاناً وعلّاناً. يردّ الصمد بأنّ الستة «يلتقون على الموقف الاستراتيجي، أما في الملفات اليومية، فليس بالضرورة أن نتشابه». ماذا عن تمثيل مراد داخل الحكومة، والتقاء مواقفه مع التيار الوطني الحر، تحديداً حول خطة الكهرباء؟ يؤكد الصمد أنّ وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية «ممثل اللقاء التشاوري داخل الحكومة». ويلتقي ذلك مع ما تقوله مصادر أخرى داخل اللقاء بأنّ مراد «يحمل توجيهات عامة منا. هو لا يزال حتى الساعة، يلتزم الصمت داخل مجلس الوزراء من دون تسجيل ملاحظات واعتراضات. أما في ما خص خطة الكهرباء، فالسبب بذلك التناقض نفسه الذي كان داخل اللقاء التشاوري، فالوليد سكرية وعبد الرحيم مراد مؤيدان لها، مقابل اعتراض البقية».
التقى علم الدين بطوني فرنجية واتُّفق على السير بخيار كرامي


نقمة الصمد لا تقف عند حدود الحريري وباسيل، بل تشمل جميع القوى السياسية. «لا يوجد رضا عن كلّ الحلفاء». السبب؟ «لأنهم يُسايرون أخصامنا على حسابنا، وسيظهر ذلك أكثر في التعيينات المقبلة. مسموح لجبران باسيل أن يقوم بما يريد، ولكن يتركون تيار المستقبل ليستفرد بنا». كلام الصمد تُرجم بتغيبه عن المشاركة في اجتماع التكتل الوطني الأخير، والتباعد بينه وبين تيار المردة. لا تنفي مصادر الأخير وجود فتورٍ في العلاقة بينها وبين الصمد، رغم أنّه «يبقى صديقنا». وتؤكد أنّ نائب الضنية اعتذر عن عدم حضور الاجتماع، مُشيراً إلى أنّ «لديه ملاحظات يريد أن يُناقشها قبل أن يأتي. هو مُتحمس لأن يبقى فقط في اللقاء التشاوري، وهذا حقه». بالنسبة إلى الصمد، علاقته بـ«المردة» هي حصراً «مع سليمان فرنجية، وهو حليف». ولكن، في ظلّ النظام القائم حالياً، «لم يعد هناك مكانٌ لأحد خارج التنظيمات الطائفية».
من جهتها، تبدأ مصادر في فريق 8 آذار حديثها بالإشارة إلى أنْ «ليس من السهل أن يكون الشخص ملتزما عقائدياً بخطّ ما، وتكون الغالبية في منطقته ضدّه». أربعة من النواب الستة، «أثبتوا وجودهم في مناطقهم، من دون مساعدة حزب الله المباشرة». هذا الكلام يهدف إلى الوصول إلى خلاصة أنّ «تمثيلهم السياسي مُكتسب». لذلك، سيتمّ «بالتأكيد الحفاظ على هيكل اللقاء التشاوري، ليس فقط في وجه تيار المستقبل، بل ليكون هناك كتلة سياسية تُهندس وجودها، وتتطور، وتُطالب بمناصب تتعدّى الإطار الحكومي». ففريق 8 آذار «يُعوّل سياسياً على وجود اللقاء التشاوري، الذي يُمثّل تنوعاً داخل بيئته».