لا يبدو أن أعضاء لجنة المال والموازنة يكترثون لانزعاج الرئيس سعد الحريري من اعتراضاتهم وتعديلاتهم على مشروع الموازنة. بالنسبة إلى معظمهم، هم يمارسون حقهم الدستوري في إطار الفصل بين السلطات، بصرف النظر عن اعتبار رئيس الحكومة أن «الوزراء الذين أقروا الموازنة في الحكومة يعودون إلى الاعتراض عليها مع نواب كتلهم في المجلس النيابي، كما لو أن من أقرّ الموازنة هو من كوكب سياسي آخر». ما تبين حتى الآن، بعد دراسة الفصلين الأولين منها، أن التعديل ضروري، لما تتضمنه بعض البنود من إشكالات قانونية ودستورية. فالمادة السابعة، على سبيل المثال، تتضمن سماحاً للحكومة بتخطي الرقابة في صرف الهبات. فهل يمكن عندها وضع غض النظر عن هذه المخالفة في خانة احترام وجود الوزراء والنواب في الكوكب السياسي نفسه؟ من «الكوكب العوني»، على سبيل المثال، يخرج النائب شامل روكز ليعتبر أن «هناك فضائح في الموازنة، وبعض بنودها مركّبة على قياس أشخاص». وقبله كان رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان يعتبر أن إخراج القروض والهبات من قيدها في الموازنة إيراداً وإنفاقاً يخالف مبدأ شمولية الموازنة المكرس بموجب المادة 83 من الدستور. كما يعتبر أن المادة المتعلقة بالقروض إنما تتضمن تعديلاً مستتراً للمادة 52 من قانون المحاسبة العمومية. هو نفسه وزّع تعديلاً للمادة السابعة تمهيداً للتصويت عليه اليوم.
كذلك، تبين أنه بالرغم من أن المادة الخامسة تضع سقفاً للاقتراض، بما يسمح بسدّ العجز المقدّر في الموازنة لا المحقق والفعلي كما كان يجري سابقاً، تبين أن المادة 79، تعود وتمنح إجازة ثانية لتكتتب الحكومة بسندات خزينة بالعملتين الأجنبية واللبنانية، مفتوحة السقف لمشاريع. وقد أعلن كنعان أنه عند الوصول إليها سيجري تعديلها أو إلغاؤها.
لجنة المال لا تبالي بانزعاج الحريري: في الموازنة فضائح


وعليه، ولأن التضامن بين أعضاء الكتلة الواحدة، وزراءَ ونواباً، سيكون ثمنه التغاضي عن أخطاء ارتكبت في إعداد الموازنة، عمداً أو سهواً، فإن أجواء اللجنة تنمّ عن استعداد للاستمرار في النقاش، الذي وصف بالجدّي، حتى النهاية.
ولذلك، كان التعديل مصير عدد من المواد فيما عُلّقت المواد المتعلقة بضريبة الدخل ورسوم مختلفة (المواد من 22 إلى 30)، على أن تدرس لاحقاً ويصوّت عليها إذا دعت الحاجة، بالإضافة إلى التصويت على تعديل المادتين 6 و7 المتعلقتين بالقروض والهبات.
أما أبرز التعديلات، فطاول المادة 40 التي أُلغيت أمس بتضامن كل الكتل الممثلة بالحكومة. وكانت هذه المادة تنص على تكليف الشركات أو المؤسسات التي يتخطى رقم أعمالها الخمسين مليون ليرة، الضريبة على القيمة المضافة، بدلاً من 100 مليون ليرة المعمول بها حاليا.ً
وفيما أقرت كل المواد المتعلقة بتخفيض الغرامات على رسوم البلدية والميكانيك والمالية، وعلى اشتراكات الضمان الاجتماعي، وكذلك تقسيط دفع الضرائب عند المنبع والضريبة على القيمة المضافة... (المواد من 31 حتى 39)، كان لافتاً استثناء الشركات الكبرى (التي يفوق حجم أعمالها المليار ليرة) من تخفيض غرامات التحقق والتحصيل التي تتولى مديرية المالية العامة في وزارة المالية فرضها وجبايتها.
من جهة أخرى، جرى التأكيد في الجلسة لضرورة العودة إلى مجلس النواب لنقل الاعتمادت من بند إلى آخر. وتقرر إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة المتعلقة بالاعتمادت المطلوبة لدعم فوائد القروض الاستثمارية، إذ اعتبر النواب أن لا لزوم لها لخلقها تناقضاً بين سياسات الحكومة والأموال التي يوظفها مصرف لبنان في هذه القطاعات.
وبالنسبة إلى قوانين البرامج، فقد التزمت وزارة المال عدم إحالة قوانين برامج جديدة ضمن الموازنة، وقد تناول النقاش الاعتمادات السنوية لقوانين البرامج المقرة سابقاً من مرفأ جونية وطريق القديسين وطريق صيدا السلطانية وسواها. وقد خُفضت بعض الاعتمادات ونُقلّت إلى سنوات لاحقة، وحصل نقاش في كل البنود، وأُرجئت قوانين تتعلق بالتربية والطاقة والاتصالات لمناقشتها مع الوزراء المعنيين.

الإعفاء من غرامات التحقق لا يشمل الشركات الكبرى


وأوضح كنعان، في المؤتمر الصحافي أمس، أنه وُجِّه سؤال إلى وزير المال عن إرجاء اعتمادات متعلقة بقانون برنامج للبناء الحكومي الموحد بديلاً من الأبنية المستأجرة، حيث أشار الأخير إلى وجود اعتمادات مدورة والإرجاء لا يؤثر في المشروع. علماً أن النواب طالبوا بإعادة النظر وبالرقابة على دفتر الشروط لأن الكلفة تبلغ نصف مليار دولار، وهو ما سيرد كتوصية للهيئة العامة.
كذلك جرى التوصل إلى التزام مع وزيري الدفاع والمال على إعادة اعتمادات للجيش إلى عام 2020 بدلاً من عام 2021 في قانون برنامج الجيش.
وفي التعديلات الضريبية وانعكاسها على صندوق تعاضد القضاة، قال كنعان: «حصل نقاش طويل واستُمِع إلى وزيري المال والعدل، وكلنا حرصاء على استقلالية السلطة القضائية. وقيمة البند الذي ينص على الاقتطاع من غرامات السير تصل إلى مليار و800 مليون ليرة، وهي لا تشكّل أي تأثير في عجز الموازنة، ولكنه يؤثّر بصندوق القضاة الذي يؤمن لهم الاستقرار الاجتماعي. وقد علّقنا المادة المرتبطة بصندوق القضاة إلى الغد لحسمها وسنأخذ بالاعتبار المساواة والعدالة والظروف التي تحتم أحياناً احترام الخصوصيات وتوجهنا لاستكمال التفاهم مع وزارة المال لنتحدث لغة واحدة».