في مشروع الموازنة مادة تتيح تعديل غالبية مواد قانون المحاسبة العمومية
لمستشار رئيس الحكومة سعد الحريري للشؤون الاقتصادية نديم المنلا رأي آخر. يرفض الأخير اعتبار مواد تعديل القوانين الخاصة التي تتضمنها الموازنة «حشواً» أو «فرسان الموازنة» أو أي تسمية أخرى. فبحسب المنلا، «كل مادة من قانون الموازنة هي بمثابة قانون، وأمر طبيعي أن تدرج ضمنه إذا كان يؤثر على النفقات أو الإيرادات». التسميات السابقة «تصحّ في حال إدخال مادة قانونية لا علاقة لها بالموازنة ولكن ضريبة الدخل مثلاً في صلب الموازنة، فكيف يعدّ إدراجها مخالفاً للقانون؟». ويشير المنلا إلى أن هذه المواد يناقشها بداية وزير المال مع كل وزارة على حدة، قبل أن يرفعها الى مجلس الوزراء للمناقشة. وبالتالي لا يفاجأ أحد بها ولا تقر بغياب المعني، فكل الوزراء كانوا حاضرين في اجتماعات مجلسهم الذي أقر مشروع الموازنة».
للمنلا وجهة صائبة في ما خص مساهمة الوزراء بالحشو، فهم من يقترحون هذه المواد على وزير المال في الدرجة الأولى، وهو ما لا ينكره كل من كنعان وبارود. إلا أن ذلك لا يعطي صك براءة للمخالفة القانونية التي تحصل منذ سنوات. إذاً، من أدخل هذا العرف على الموازنة وأثقلها بأحكام لا تمت لها بصلة؟ «بدأ الأمر مع وزير المال السابق فؤاد السنيورة واستمر الى يومنا هذا»، يقول كنعان. أما السبب الرئيسي لزجّها فهو «اختصار الوقت لإقرار الاعتمادات بسرعة من دون المرور باللجان النيابية والهيئة العامة، أي إمرارها من دون نقاش. لذلك نراهم اليوم يرفعون الصوت ويتهموننا بالمناكفة». أما بارود، فيشير الى «معادلة السهولة في إقرارها مقابل رفد الموازنة بالإيرادات الإضافية». ولكن بالنسبة إلى الوزير السابق «أي حجة لا تبرر إعادة الخطأ مراراً وتكراراً عبر الخروج عن تعريف الموازنة الذي يقتصر على الإجازة بالجباية والإنفاق، وخصوصاً أن التعديلات مكانها في مجلس النواب الذي يجتمع دورياً ويعقد جلسات تشريعية».
المنلا: من الطبيعي إدراج مواد في الموازنة إذا كانت تؤثر على النفقات أو الإيرادات
تعمل لجنة المال النيابية اليوم من خلال جلساتها على ابتكار حلّ لهذه المخالفة القانونية والدستورية، ولو أن البعض يحمّلها مسؤولية المليارات التي ستطير نتيجة تطيير بعض المواد. والاقتراح الأنسب الذي خرج به مجلس النواب بعد دراسة كل «الفرسان» وغربلتها، هو إخراجها من الموازنة وإصدار قوانين خاصة بشأنها. «بدنا نوقّف هالموضة»، يقول كنعان، مضيفاً: «الآن ندرس إمكانية تحقق هذا الاقتراح مع رئيس المجلس ولجنة المال».
إشارة هنا الى أن لجنة المال تتحفظ على هذه المواد منذ عام 2010 وتطالب بإلغائها و«قد حققت بعض الإنجازات في هذا السياق: أولاً نجحنا في إجبارهم على احترام قانون البرامج الذي كان يتيح تعديل نحو 40 قانوناً بورقة واحدة تؤدي الى إنفاق آلاف المليارات. ثانياً، أوقفنا المادة التي تتيح الاستدانة من دون سقف وربطناها بالعجز المقدّر لا المحقّق. ثالثاً، أموال الهبات باتت تسلك طريقها الى حساب الخزينة لا إلى حسابات خاصة كما درجت العادة».
كنعان: إبراؤهم مستحيل!
هل ستقرّ الموازنة من دون إقرار «قطع حساب» هذه المرة أيضاً، بما يشكل مخالفة دستورية مستمرة منذ سنوات؟ سؤال يطرحه الجميع وتتقاذفه الجهات المعنية في ما بينها، والواقع أن إصلاح المالية العامة يمرّ عبر قطع الحساب حصراً. فـ«قطع الحساب» هو ما يكشف حقيقة الإنفاق والجباية (الموازنة هي توقعات الإنفاق والجباية للعام المقبل، فيما قطع الحساب هو للتثبت مما جرى إنفاقه وجبايته في العام السابق. يشير رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ«الأخبار» الى أن «قطع الحساب ليس من مسؤوليته، فقانون الموازنة يمر في اللجنة، ولكن لا يمكنها وقفه. وبحسب المادة 87 من الدستور و118 من النظام الداخلي لمجلس النواب، لا تنشر الموازنة في الجريدة الرسمية قبل تصديق الهيئة العامة على الحسابات. وبالتالي يفترض بالهيئة ألا تقر بنود الموازنة قبل إقرار قطع الحساب». مشكلة قطوعات الحسابات وفقاً لكنعان، «أني أعمل عليها منذ 10 سنوات ولحدّ اليوم لم يرسلوها (أرسلتها وزارة المال إلى ديوان المحاسبة الذي لا يزال يعمل عليها، لكن مجلس الوزراء لم يحلها بعد، كمشاريع قوانين، على مجلس النواب). وذلك لأن الحقيقة المرّة هي نفسها التي أعلنت عنها في عام 2013، ليس هناك حسابات دقيقة: إبراؤهم مستحيل». وكل ما يسمع اليوم من «أصوات مرتفعة وزيادة ضرائب وسعي للتقشف ووقف الهدر والفساد، يعود الى ما اكتشفناه في داخل الرقابة المالية في البرلمان. لا براءة ذمة مالية لكل الحكومات المتعاقبة. أبرز إثبات على ما سبق، عدم قدرتهم على إقرار أي أرقام. لا حسابات مالية مدققة في لبنان، ولن يكون هناك، ولا قدرة لديوان المحاسبة على التصديق عليها».