شهدت أسعار الفائدة على الودائع بالدولار الأميركي ارتفاعاً غير مسبوق خلال الأيام الماضية، إذ يعرض أحد المصارف الكبرى في لبنان فائدة إجمالية (على مدى ثلاث سنوات) تبلغ 40% على كل وديعة تأتي من الخارج بقيمة 20 مليون دولار وما فوق. ويقضي العرض بأن يقبض المودع ما نسبته 10% مباشرة عند الإيداع، و10% سنوياً (مقسمة على جزءين نصف سنويين). الـ 10%؜ الأولى تكون غير خاضعة لضريبة الفوائد، في حين أنّ الباقي يخضع لها. بكلام أوضح، إنّ سعر الفائدة السنوية على ودائع الدولار في السوق اللبنانية، بلغ مع هذا «العرض»، 13.3%؜ وهو رقم قياسي يُسجّل على الودائع بالدولار. وتُطلق هكذا أرقام عادة ارتفاعاً على فوائد الودائع بالليرة.هذا التطور في أسعار الفائدة يُعبّر عن حجم المأزق المالي في لبنان، ونقص السيولة بالعملات الأجنبية الذي يستنزف احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، ويقوض الثقة المتدهورة أصلاً بحسب وكالات التصنيف والتقارير العلمية الموثوقة، علماً بأنّ هذا النوع من المنتجات المصرفية لا يمكن إطلاقه في السوق من دون أن يكون المصرف قد تلقّى إيعازاً من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. هذا الأخير، يُراقب بدقة تطور الأوضاع النقدية وحجم النزف الذي تتعرض له احتياطات «المركزي» بالعملات الأجنبية ويستجيب لهذا الطلب عبر هندسات مالية، تمنح المصرف والمودع أرباحاً طائلة، وتُطلق تنافساً محموماً بين المصارف يُعزّز بدوره ارتفاع الفائدة.
ويأتي هذا المنتج بعدما تبيّن أنّ عجز ميزان المدفوعات (الفارق بين الأموال الخارجة من لبنان وتلك الداخلة إليه) بلغ 3.3 مليارات دولار في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية. كذلك يأتي في سياق متصل بالتقرير الأخير لوكالة التصنيف الدولية «موديز»، الذي يُعبّر عن قلقها من عملية إعادة هيكلة للدين العام، أو إجراءات مماثلة تتخذها الحكومة اللبنانية، تكون بمثابة تخلّف عن السداد بحسب تعريف الوكالة لها.
تقرير «موديز» ووكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، مع لقاءات البنك الدولي والمسؤولين اللبنانيين، وغيره من الأنشطة «المالية ــــ الدولية»، مؤشرات إلى أنّ الاقتصاد اللبناني واقعٌ تحت الرقابة الخارجية المُشدّدة. في المقابل، تتعامل القوى السياسية الفاعلة، أكان داخل السلطة أم خارجها، باستخفاف مع الموضوع رغم إدراكها دقة الأوضاع، إلى درجة أنّها تُصوّر التقارير المالية الغربية كأنّها «مؤامرة» تُحاك ضدّ البلد. وآخرها تصريح لوزير المال علي حسن خليل، الذي قال لقناة «ام تي في» إنّه «فوجئت بتقرير «موديز»، وما تضمّنه لا يستند إلى الوقائع، والوضع ليس بهذا السوء».
لا يمكن رفع أسعار الفوائد، من دون تلقّي المصرف إيعازاً من سلامة


الواقع المالي والاقتصادي سيئ، والقوى السياسية تهرب منه، من خلال إيهام الرأي العام بإمكانية معالجته بمجرد خفض العجز إلى حدود الـ 7.6% نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي، علماً بأنّ الأزمة مُركبة وشديدة التعقيد، لا يحلّها خفض العجز في الموازنة. هي أزمة سياسات واقتصاد مُدمن على الدولارات، بسبب ضعف الإنتاج المحلي، والاضطرار الدائم إلى الاستيراد، وهو ما يتمّ بالعملة «الصعبة». أمام هذا الواقع، لم تجد الطبقة الحاكمة علاجاً سوى باللجوء إلى «ألاعيب»، كالهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان، ومنح بفضلها المصارف أرباحاً هائلة «من المال العام»، مقابل أن تعمل المصارف على تقديم «إغراءات» للزبائن، كرفع أسعار الفوائد بشكل كبير، لتجذب الدولارات وتُحوّلها إلى مصرف لبنان، تماماً كما يحصل حالياً مع فائدة الـ 13.3%.
وجال أمس نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج، على وزير المال ورئيس الحكومة سعد الحريري. فقال بعد لقائه الأخير، إنّ «لبنان يسير في طريق سليم بالنسبة إلى الإصلاحات على مستوى الموازنة والكهرباء، ونحن متفائلون بالنسبة إلى هذا الأمر، لكن الإصلاحات لا تنتهي وهي أمر متواصل، ونحن مع الحكومة اللبنانية في المضيّ قدماً في هذه الإصلاحات، ولا سيما بالنسبة إلى موضوع الكهرباء الذي يعتبر موضوعاً حيوياً». وتطرق في اجتماعه مع الحريري، «إلى مشاريع البنك الدولي الموجودة في محفظة البنك، وهذه المشاريع يجب العمل عليها بأكثر قوة ودعم لأن لدينا أكثر من مليارين و400 مليون دولار في محفظة البنك الدولي اليوم، ومنها قرابة المليار دولار ليست في وضع إيجابي، وخصوصاً أن المحفظة عندنا كبيرة وهناك طاقات، ولا سيما أن هذا المبلغ على ذمة الحكومة اللبنانية والمواطن اللبناني، وعلى الحكومة أن تعمل بجهد أكبر لإنجاز هذه المشاريع لأنها استثمارية وهذا الاستثمار إيجابي».