باستثناء تسريبات تصدر بين الحين والآخر عن مصادر إسرائيلية «مطلعة» على ملف الغاز والنفط و«التنازع» مع لبنان، تؤكد أن الخلاف يتعلق بحيّز يحوي كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، لا ترد من العدو أية إشارة عن حجم التقديرات وقيمتها المالية.المسألة تتعلق كما ورد من تل أبيب أمس، ولأول مرة، بمبلغ يصل إلى ٦٠٠ مليار دولار، هي التقديرات الأولية لحجم الناتج المفترض استخراجه من الغاز في منطقة «التنازع»، خلال العقود المقبلة. الأمر الذي يفسر إصرار العدو على الاستيلاء على جزء من هذا الناتج، وإن من خلال التفاوض، ولا يقتصر على محاولة نزع فتيل صراع قد يكون موضع تصعيد بين الجانبين، من شأنه تعريض المصالح الإسرائيلية لخطر الاستهداف، بعد أن تعذر وضع اليد الإسرائيلية عليه، من خلال فرض إرادة تل أبيب بالقوة العسكرية أو التهديد بها.
التقدير المالي، أي الـ600 مليار دولار، ورد أمس في مقالة لرئيسة طاقم وزارة الطاقة الإسرائيلية السابقة، سمدار بت آدم، التي واكبت استكشافات الغاز الطبيعي في عرض المتوسط، وعملت وفقاً لوظيفتها على حلّ التنازع الغازي والحدود الاقتصادية مع الجانب القبرصي.
بت آدم، في مقالها، تحذر وزارة الطاقة الإسرائيلية من الوقوع في أخطاء وقع فيها المفاوض الإسرائيلي مع قبرص، في حال بدء المفاوضات فعلاً مع الجانب اللبناني، مشيرة إلى أن الاتفاق مع نيقوسيا جاء في وقت قياسي نتيجة العلاقات الطيبة بين الجانبين، إلا أن القصور الإسرائيلي تعلق بالآبار الغازية العابرة للحدود الاقتصادية التي لم تجد حلاً لها إلى الآن، رغم تواصل المفاوضات حولها لما يزيد على سبع سنوات، منذ التوقيع على الاتفاق الحدودي.
وقالت بت آدم إن على المفاوض الإسرائيلي أن يتوصل إلى اتفاق مع المفاوض اللبناني الذي اطلع بطبيعة الحال على المفاوضات الإسرائيلية القبرصية، وسيحاول تقليد القبارصة في تجنب أي حل للآبار العابرة، الأمر الذي أفقد الخزينة الإسرائيلية المليارات، وهو ما لا يجب أن يتكرر مع لبنان.
مع ذلك، إن كان المبلغ المالي المقدر من بت آدم، وهي الأكثر إحاطة ومعرفة به وفقاً لوظيفتها السابقة، جاء نشره في غفلة من الرقابة أو لسبب آخر، إلا أنه يكشف للمفاوض اللبناني، وإن باتت المفاوضات متعثرة، السبب الذي يدفع إسرائيل إلى الإصرار على إيجاد تسوية توفّر لها جزءاً وازناً من ناتج هذه المنطقة التي تحوي هذا الحجم الكبير من الاحتياط الغازي، وكذلك ما تحذّر منه بت آدم، في ما يتعلق بالآبار العابرة للحدود الاقتصادية، الذي يفرض على إسرائيل اللجوء إلى خيار من اثنين: السرقة التي تخشى تبعاتها، أو خيار التسوية التي ما زالت تتعنت حيال شروطها.
على الجانب اللبناني أن يتعامل مع التقديرات بوصفها واحدة من أوراق الضغط الموجودة لديه


وإن كان التوقع أن يستأنف الإسرائيلي لاحقاً قرع باب التفاوض من جديد عبر الأميركيين مع تليين نسبي للموقف كما حدث في جولات الوساطة الأميركية السابقة، فإنّ على الجانب اللبناني أن يتعامل مع هذه المعطيات بجدية وبوصفها واحدة من أوراق الضغط الموجودة لديه، بمعنى الإدراك أن خسارة الإسرائيلي ستكون أكبر إن لم «يتنازل»، ليس فقط في البلوك رقم 9 واخواته في ما يتعلق بالحدود الاقتصادية، بل أيضاً في الآبار العابرة للحدود، خاصة أن واحدة من أهم نقاط ضعفه، هي تعذر فرض إرادته من خلال استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها، لأن التصعيد الذي يعقب الخيارات المتطرفة، أي الرد التناسبي أو ما يفوقه، من شأنه أن يمنع عن تل أبيب الاستفادة كذلك من الآبار والمنصات الواقعة خارج منطقة «التنازع».