تنوّعت مواقف أساتذة الجامعة اللبنانية من حراك الـ50 يوماً، بين متبنٍّ لإضراب مفتوح لتحقيق كل المطالب، ومتبنٍّ لمبدأ التفاوض عبر مسار تدريجي لتحقيق كل المطالب أو بعضها، وبين متراجع عن الإضراب من دون تحقيق المطالب حرصاً على العام الجامعي. في ظل هذه المواقف، واجه الحراك تحديات داخلية بين أهل الجامعة وأخرى خارجية مع القوى السياسية، وكانت هذه التحديات إحدى النقاط الخمس التي سعت الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع إلى مقاربتها في لقاء نظمته، أخيراً، لتقويم الحراك من حيث نقاط القوة والضعف، والفرص التي أضاعها، والرؤية المستقبلية بالاستفادة من التجربة الأخيرة. تحويل قضية الجامعة إلى قضية رأي عام وخرق الجدار الإعلامي ضدها تحدٍ أثاره أكثر من متحدث في اللقاء. وقد عزا رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين، يوسف ضاهر، الأمر إلى ضعف تسويق الرابطة لقضية الجامعة وانقسام الأساتذة إلى فئات، لكل منها مطلبه، وانعدام التوافق بين الحزبيين في الهيئة وأحزابهم، ما أضاع إمكان التواصل مع السلطة. في المقابل، برزت، كما قال، ظاهرة الاستقلالية التحررية للأساتذة حيال معظم الأحزاب التي فقدت وسائل الضغط على الرابطة والأساتذة لثنيهم عن الإضراب، «وشكّل نقض قرار الوقف المؤقت للإضراب حدثاً مفصلياً أدى إلى تحقيق ما تحقق، لا سيما إلغاء الخفض التدريجي لمنح التعليم، والحق في المعاش التقاعدي لمن يخدم 15 سنة وما فوق، والاستثناء من منع التوظيف، وتخفيف ضريبة الدخل على المعاش التقاعدي للنصف، كما أعاد الوهج للجامعة وجعل الرابطة رقماً صعباً».
لكن الإضراب لم يحقق، بحسب الأستاذ المتقاعد والمسؤول السابق لقطاع التربية والتعليم في تيار المستقبل، نزيه الخياط، مطالب أساسية بل حافظ على المكتسبات، فيما غاب البرنامج الإصلاحي المتكامل للجامعة (جودة التعليم، أيّ جامعة نريد، تعديل القانون 66، تطبيق التفرغ، تحديد الملاكات التي تحدّ من التدخل السياسي، تعديل المناهج). بالنسبة إليه، التركيز على المطلب المادي جعل الرأي العام معارضاً للحراك وأراح السلطة من مسؤولية النهوض الجدي بالجامعة، وهذه مسألة يجب التنبه لها مستقبلاً من خلال طرح عناوين تقنع الرأي العام بأحقية التحرك، وبأن الجامعة الوطنية في خطر. برأيه، أخطر ما في الحراك ظهور بعض الطروحات مثل إنشاء لقاء الأساتذة المستقلين (الهيئة العامة) ما يهدّد وحدة الأداة النقابية، والوقوع في وهم تشبيه تحرك الطلاب الأخير بوضع الحركة الطلابية زمن الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة.
رغم الإلتفاف غير المسبوق حول الرابطة، ورغم ارتقاء المطالب لتشمل الموازنة وحقوق جميع مكونات الجامعة، إلا أنها لم تصل، بحسب الأستاذة في كلية العلوم وفاء نون إلى طرح المطلب الأساس الذي تنضوي تحت سقفه المطالب الأخرى، من موازنة وتفرغ وأبحاث وشراكة الجامعة مع الوزارات، وهو استقلالية الجامعة الإدارية والمالية والأكاديمية.
ورأت أن المطالب المادية المحقة لم تترافق ومطالب إصلاحية، من تحسين نوعية التعليم عبر تطوير المناهج ومن استقلالية قرارات مجلس الجامعة ومجالس الأقسام إلى الاطلاع على محاضر الاجتماعات ومعرفة آلية صرف الموازنة.
أما عضو الهيئة التنفيذية للرابطة حسين عبيد (حركة أمل) فتحدث عن توقيت خاطئ للتحرك في نهاية الفصل الثاني، ما أدى إلى عدم القدرة على تكوين رأي عام مساند مع بداية التحرك ليتكون لاحقاً، أي بعد شهر تقريباً. ورأى أن المعركة لم تكن بين الرابطة وأحزاب السلطة، بل مع الأشخاص القابضين على السلطة باسم أحزابهم ويختلف الكثير منهم مع أحزابهم.
رأى رئيس رابطة قدامى الجامعة، عصام الجوهري، أن رابطة المتفرغين أضاعت فرصة إنشاء جبهة وازنة من جميع الروابط المدنية والعسكرية من القطاع العام من ناحية والقوى الداعمة من المجتمع المدني، وخصوصاً أنها كانت في وضع يؤهّلها للقيادة وممارسة دور فاعل وضاغط اليوم وغداً، والمطلوب استقلال الجامعة الكلي، المالي والأكاديمي والإداري.
العضو السابق للهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة داود نوفل وافق على أن التركيز على المطالب المالية والحياتية والصحية للأساتذة جعل الحراك فرصة ضائعة، إذ لم يلحظ الأمور التصحيحية، لا سيما لجهة محاربة الفساد في الجامعة وإعادة الصلاحيات إلى مجلس الجامعة وتفعيل العمل الرقابي المتوقف بفعل التدخلات الحزبية. والعنوان للمستقبل يتلخّص، كما قال، بقانون عصري وإدارة شفافة وأستاذ كفؤ وموظف نزيه وطالب مرتاح.