كرّست القوى السياسية في لقاء المصالحة الذي انعقد يومَ أمس بين وليد جنبلاط وطلال أرسلان صورتها كقوى غير مؤتمنة على إدارة البلاد. بالتأكيد، ليس المطلوب منها الاستمرار في التقاتل وتعطيل الحكومة، لكن أضعف الإيمان هو إظهار بعض الخجل، والاعتذار عن إهدار المزيد من الوقت، رغم أنه لم يكن سيُستغل في تحسين حياة الناس. فالمتصالحون أمس تراجعوا عن سقوفهم وقبلوا بحلول كان يمكن السير بها منذ اللحظة الأولى. يمكن الجزم أن أحداً منهم لن يعتذر، لأن «اللي استحوا ماتوا».بعدَ أكثر من شهر و10 أيام على حادثة «قبر شمون»، تصاعدَ الدخان الأبيض من المساعي الماراثونية التي وصَلت الليل بالنهار في اليومين الماضيين، وأسفرت عن فكّ أسر الحكومة التي ستجتمع قبل ظهر اليوم بعد تعطيل جلساتها بسبب الانقسام الحاد في الموقف حول وجهة السير القضائية التي يجب أن يسلكها التحقيق في الحادثة. برعاية الرؤساء الثلاثة، اجتمع النائب طلال أرسلان وغريمه النائب السابق وليد جنبلاط في قصر بعبدا أمس، ليتصالحا بعد الجريمة.
أمام هذا المشهد، ليسَ مُمكناً سوى السؤال عن السبب الذي دفع بالقوى السياسية الى تعطيل البلاد بعراضاتها الكلامية، ومن ثم الذهاب الى حلول لم تحقق مكسباً لأي طرف سوى التعادل السلبي والتأكيد على أن شركاء الائتلاف الحكومي مقتنعون بأن حكومتهم «لا تقدّم ولا تؤخر». ما الذي تحقق نتيجة التعطيل؟ من الرابح؟ هل ثمة من استغل جريمة قبر شمون لتحقيق بنود ما في برنامج عمل سياسي خاص به؟ حتى اللحظة، لم يظهر ما يبرر التعطيل سوى أن كلاً من طرفي النزاع رفع سقف مواقفه إلى درجة صار معها التراجع صعباً، واضطر حلفاء كل منهما إلى دعمه، من دون أي طائل سياسي. قوى سياسية بلا خجل، وبلا أي حس بالمسؤولية، قررت تعطيل البلد الذي تجاوز شفير الهاوية اقتصادياً، وبدأ فعلاً بالانهيار. الأصح، ربما، أنه في حالة انحدار دائمة، لكن ما تغير هو السرعة التي ينحدر بها. وعدا عن القوى السياسية، لم يجد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ما يحول دون أن يقول أمس إن الوضع المالي في البلاد «Top»!
قوى سياسية بلا خجل، وبلا أي حس بالمسؤولية، قررت تعطيل البلد الآخذ بالانهيار


بدا الجميع محكومين بالنزول عن الشجرة، وتحقق ما اعتبره رئيس مجلس النواب نبيه بري «إنجازاً»، وخصوصاً أن الأمور كادَت تعود إلى النقطة الصفر أول من أمس. لكن «صرخة» برّي خرجت بأن «الوضع لم يعُد يحتمِل، وأن البلاد مقبلة على تصنيفات سلبية تكاد تطيح بنا». لذا، لم يستسلم المفاوضون هذه المرة، بل كُثفت الاتصالات بين رئيس المجلس وحزب الله، ولا سيما بعدما رفض جنبلاط المسعى الأخير، وأبلغ بري عبر أحد وزراء الاشتراكي أنه ما «بين وجوده والوضع السيئ سيختار وجوده»، مؤكداً أنه سيطلب من وزراء الحزب الاشتراكي الاستقالة من الحكومة فيما لو انعقدت جلسة وطرح اقتراح إحالة جريمة قبر شمون على المجلس العدلي. في هذه الأثناء، أعاد برّي تعويم مبادرته التي سبق أن طرحها منذ بداية الأزمة وتتضمن لقاء المصالحة، وفعّل اتصالاته مع حزب الله للتنسيق مع رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل وأرسلان، فيما واصل هو التفاوض مع جنبلاط للقبول باللقاء والتلازم بإسقاط الحق الشخصي في حادثتَي «البساتين» و«الشويفات». لكن ذلك، لا يسجل انتصاراً كاملاً لجنبلاط، إذ إن البيان الذي تلا اللقاء كان واضحاَ لجهة أن «خيار العدلي لم يسقط بالكامل، وبالإمكان إعادة إحيائه على ضوء التحقيقات» وهو ما أصر عليه أرسلان وحلفاؤه.
موافقة الأطراف تأمنت صباح أمس، وعلى عجل تقرر لقاء المصالحة العشائري لتهدئة التوتر السياسي في البلاد، والذي سبقه لقاء مالي ــــ اقتصادي بين الرؤساء الثلاثة، انضم إليه الوزراء: علي حسن خليل، منصور بطيش وسليم جريصاتي، بالإضافة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير ورئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان، للبحث في كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بسبب سوء الحال وبلوغه درجة عالية من الخطورة نتيجة التعطيل الحكومي، ما استدعى تحذيرات دولية من انعكاس ذلك على المساعدات التي ينتظرها لبنان.
رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي التقى السفيرة الأميركية قبل التوجه الى بعبدا، أشار بعدَ اللقاءين إلى أن «المجتمعين عبروا عن ارتياحهم للتطور الحاصل لجهة المصالحة والمصارحة بين جنبلاط وأرسلان، والتشديد على ضرورة الالتزام بالمحافظة على الاستقرار السياسي، وأكد المجتمعون التزامهم للحفاظ على سعر صرف الليرة، وتم الاتفاق على خطوات سياسية سيعمل على تطبيقها في المرحلة المقبلة، تساهم في تعزيز الاقتصاد والمباشرة في مناقصة ماكنزي».
وأضاف «من الخطوات الأساسية، إقرار موازنة 2020 وتطبيق موازنة 2019 ووضع خطة تفصيلية للمباشرة بإطلاق مشاريع استثمارية والبالغة 3.3 مليارات، إضافة الى مشاريع سيدر، تطبيق خطة الكهرباء كاملة، إقرار قوانين إصلاحية ولا سيما المناقصات العامة والتهرب الضريبي والجمركي، والتنسيق مع لجنة تحديث القوانين، تفعيل لجان العمل الوزراية، استكمال خطوات الإصلاح القضائي وتعزيز عمل أجهزة الرقابة، ضبط الهدر والفساد، إعادة النظر بالمؤسسات غير المجدية». أما بالنسبة إلى الاجتماع الخماسي، فقال إن «المجتمعين استنكروا خلاله حادثة قبر شمون ــــ البساتين والتي سقط نتيجتها ضحيتان وعدد من الجرحى، وهي باتت في عهدة القضاء العسكري استناداً الى القوانين المرعية الإجراء، وعلى ضوء التحقيقات تتخذ الحكومة القرارات المناسبة»، معلناً عن «عقد جلسة للحكومة غداً الساعة 11 صباح اليوم في قصر بعبدا».
بالنسبة الى الاجتماع المالي، فقد أشارت مصادر قصر بعبدا الى أنه وضع «خريطة طريق» للخطوات الإصلاحية التي تعتبر ركيزة الثقة عند الدول المانحة في مؤتمر «سيدر». وقالت المصادر إن «جرى التأكيد على ضرورة الصمود لمتابعة هذه الإجراءات، كما جرى عرض تفصيلي من قبل الحاضرين من أهل الاختصاص، فتحدث حاكم مصرف لبنان عن المصارف، فيما تناول كنعان عمل لجنة المال والموازنة». ولفتت المصادر الى أن «النقاش في موازنة عام 2020 أخذ حيّزاً في الجلسة وكان هناك تأكيد على ضرورة الانتهاء منها في الوقت المناسب»، بالإضافة إلى «موضوع التصنيفات التي وعد سلامة بمتابعتها والعمل على تأجيلها أو الحدّ من سلبيتها بالتواصل مع الجهات المعنية».