نهاية الأسبوع الماضي، تحرّكت وزارة الثقافة إثر نشر «الأخبار» تحقيقاً بشأن خطر الهدم المتربّص بمدرسة المعلم بطرس البستاني، وأصدرت قراراً بإدراج المبنى، الذي صُنّف «تراثياً»، على لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية لحمايته من أيّ عملية هدم محتملة. صحيح أن تنبّه الوزارة إلى الأهمية التاريخية والأثرية لـ«المدرسة الوطنية» الكائنة في منطقة زقاق البلاط جاء متأخراً، إلا أنه يُحسب للوزير محمد داود في إطار حماية الإرث العمراني، وهو ما قد يبدو مستغرَباً لمن يطّلع على سجل الوزارة الحافل بالتلكّؤ تجاه هذا الإرث.عملياً، يقي القرار الصرح الذي يقع في العقارات 310، 313، و713 من الهدم بالدرجة الأولى. لكنه لا يحدّد تفاصيل خطة العمل التي تشمل آلية الترميم. وهي الخطة التي يفترض أن تضعها لجنة استشارية شكّلها داود أخيراً «لمساندة مديرية الآثار» المكلّفة برصد وتقييم الأبنية التراثية المعرضة للهدم، واقتراح الأنظمة والتدابير الخاصة بتملّكها وحيازتها والحفاظ عليها وطرق استعمالها. بحسب العضو في اللجنة، المعماري عبد الحليم جبر، فإن التدبير الحمائي المتّخذ من المفترض أن يطبّق وفق مفاعيل قانون الآثار القديم (166/1933) الذي يُلزم الدولة بحلّين: استملاك العقارات التي يقع في نطاقها مبنى المدرسة وتالياً تعويض المالك مادياً، وهو حلّ مستبعد في ظلّ موازنة خجولة للثقافة والآثار، ما يحيلنا إلى الحلّ الثاني الذي يقضي بأن «يتعاون المالك والدولة على آلية ترميم تحدّدها مديرية الآثار» عند اتضاح تفاصيل الخطة.
في مقابل هذا السيناريو، يبدي معماريون ومنظمات غير حكومية خشية من أن ينفّذ التدبير تبعاً لمفاعيل مشروع قانون حماية المواقع والأبنية التراثية الذي «قد يصبح نافذاً أواخر العام الجاري»، حسب المعطيات. نتحدث هنا عن مشروع وافق عليه مجلس الوزراء في 12 تشرين الأول 2017، لكنه - لحسن الحظ - بقي محفوظاً في أدراج اللجان النيابية المشتركة من دون أن يقرّ حتى الآن. إذ إن جوهره يكرّس مبدأ «نقل عامل الاستثمار» من عقار إلى آخر، ويعفي الدولة تماماً من تحمل نفقات التعويضات.
حماية المدرسة وفق مشروع قانون الآثار الجديد لن يقيها من غول الإسمنت

بمعنى آخر، يجيز القانون للدولة «بيع الهواء» وتعويض المالك عن القيمة المفقودة من الاستثمار. وتبعاً لهذا المبدأ، يعطي القانون أي مستثمر الحق بزيادة أمتار البناء، أي صعود طبقات أخرى في مبانٍ موجودة في نطاق المدرسة الجغرافي، لكي يبقى المبنى «التراثي» موجوداً ويُرمَّم. والحال أن مشروع القانون الذي قد يقرّ بلا أي تعديلات، يحتوي على بنود هلامية تتعارض مع جوهره، وتعرّض المباني التراثية لمخاطر تصنيفات قانونية معقدة سبق أن أشارت إليها «الأخبار» في تقرير مفصّل.
في أية حال، القانون لم يصبح نافذاً بعد، والأمل أن تتبع مبادرة داود مبادرة أخرى تقضي بوقف تمرير المشروع في مجلس النواب. يبقى، أخيراً، أن تحدّد الوزارة ما ستؤول إليه المدرسة التي تتضارب المعلومات حول مصيرها بعد الترميم. ففي حين أكد داود أن المبنى سيتحول إلى «مقر لوزارة الثقافة»، اقترح رئيس جمعية المعلم بطرس البستاني، النائب فريد البستاني، في حديث تلفزيوني، تحويلها إلى «متحف أو مكتبة عامة بالتعاون بين القطاعين العام والخاص». والمفارقة أن النائب نفسه سبق أن تحدث عن «إنشاء متحف بطرس البستاني في بلدة الدبية التي ولد فيها» و«تمثال يخلد ذكراه في الدبية أيضاً» من دون أن يستذكر، في أي من تصريحاته، «المدرسة الوطنية» التي أسّسها «المعلّم».