توحي التحضيرات لطاولة الحوار الاقتصادي بأنها ستكون حبل النجاة من الأزمة الاقتصادية المالية المستفحلة. لكن، ماذا يمكن لساعتين تجمعان رؤساء أحزاب، غير متخصصين في الاقتصاد، أن تفعلا، أكثر مما فعله، على سبيل المثال، الاجتماع المالي الذي عقد في بعبدا في 9 آب الجاري، وحضره الرؤساء الثلاثة ووزيرا المال والاقتصاد، إضافة إلى رئيس لجنة المال النيابية ابراهيم كنعان وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير؟ بحسب ما بات معروفاً، فإن ذلك الاجتماع وضع الأسس لكيفية معالجة الوضع الاقتصادي والمالي، على أن يتبعه تنفيذ ما تقرر. وضمن هذا السياق، دعا رئيس الجمهورية مجموعة من الخبراء الاقتصاديين إلى اجتماع تنفيذي في 21 آب الجاري، شارك فيه بطيش وكنعان والوزير عادل أفيوني، إضافة إلى الخبراء: عبد الحليم فضل الله، مازن سويد، روي بدارو، شربل قرداحي وغازي وزني. لكن تلك خطوة خلقت، في الشكل، إشكالية لدى الرئيس سعد الحريري الذي اعتبر أنها تشكل تجاوزاً لصلاحياته كرئيس للسلطة التنفيذية. عندها، كان المخرج باعتبار اللجنة لجنة استشارية لرئيس الجمهورية، إلا أن ذلك لم يغطّ على حقيقة تكوينها من ممثلي الأحزاب المشاركة في الحكومة. ولذلك بقيت تُسمع اعتراضات من هنا وهناك عنوانها رفض سحب رئاسة الجمهورية للملف الاقتصادي من السلطة التنفيذية المسؤولة الأولى عن السياسة الاقتصادية. لكن، بحسب مطّلعين على الملف، فقد بدا واضحاً أن رئاسة الجمهورية أخذت القرار بالمضيّ قدماً بتولي مسؤولية الملف الاقتصادي، على أن تكون موازنة 2020 التعبير الأول عن ذلك. وهذه إشكالية لم تزعج رئاسة الحكومة فحسب، فكما كان مستشار الحريري أكثر من عبّر عن هذا المزاج، عبر إطلاقه النار على اللجنة وعملها، فإن وزير المال لم يكن راضياً عن آلية عمل اللجنة، انطلاقاً من أنه المسؤول عن إعداد الموازنة، وهو إذ لا يمانع بأن ترسل اللجنة، أو أي جهة أخرى، اقتراحاتها إليه، بحيث يقرر اعتمادها من عدمه، إلا أنه لن يقبل بأن يتحول إلى صندوق بريد مهمته تنفيذ ما يتقرر في بعبدا.عندما عقدت لجنة الخبراء اجتماعها الأول، لم تكن فكرة طاولة الحوار الاقتصادي قد طرحت بعد. لكن اجتماعها الثاني، الذي عقد أمس بغياب لافت لكنعان، تحوّل بنتيجة تحديد موعد طاولة الحوار في 2 أيلول المقبل، إلى اجتماع تحضيري لها، بما أوحى بالتخلي عن دور اللجنة كلجنة مهمّتها وضع مقررات الاجتماع المالي موضع التنفيذ. صار المطلوب إنجاز ورقة، تُرفع إلى رئاسة الجمهورية، التي ستقرر إما طرحها كما هي في طاولة الحوار أو تعديلها، تمهيداً لعرضها.
بحسب ما رشح عن اجتماع أمس، فإن الورقة تتضمن وضع سقف أدنى وسقف أعلى لسعر صفيحة البنزين، بدلاً من فرض رسم الـ 5000 ليرة الذي حاول الحريري تسويقه أثناء مناقشة موازنة 2019 (عاد وجاهر في مجلس النواب أنه لم ينفذ رغبة صندوق النقد الدولي بوضع رسم على البنزين وبرفع الضريبة على القيمة المضافة). فعلى سبيل المثال، يحدد السعر الأدنى بـ 25 ألف ليرة، بحيث يكون أي انخفاض في السعر عن ذلك بمثابة رسم يذهب لمصلحة الدولة. في المقابل، فإن تحديد السعر الأعلى بـ 30 ألف ليرة، سيعني أنه لو ارتفع السعر الفعلي عن هذا الحد، لا يكون المستهلك مسؤولاً عن دفع أكثر من 30 ألف ليرة.
في ما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة، لم يُصر إلى الأخذ بالاقتراح المتعلّق بزيادتها إلى 15 في المئة بشكل مقطوع، كما لم يؤخذ بالاقتراح المتعلق بإلغاء الإعفاءات تماماً، لكن تم التوافق على اعتماد ضريبة تصاعدية يمكن أن تصل إلى 15 في المئة على بعض المواد الكمالية.
وتتضمن الاقتراحات تعديل النظام الضريبي عبر إلغاء الضرائب النوعية المتعددة على الدخل وفرض ضريبة موحدة عليه. ومن الاقتراحات أيضاً زيادة جديدة على ضريبة الفوائد المصرفية لم تحدد، لكن الأهم إعادة النقاش بكيفية تخفيض أسعار الفوائد وتخفيض خدمة الدين. وهذا يتطلب تعزيز الثقة بالاقتصاد، وفتح نقاش مع مصرف لبنان وجمعية المصارف يساهم في الوصول إلى هذه النتيجة، كأن يعاد تفعيل اقتراح الحريري القاضي بمساهمة المصارف بالاكتتاب بسندات الخزينة بفائدة متدنية. كذلك، لم تخفت الأصوات التي تحمّل القطاع العام مسؤولية تفاقم العجز، متغاضية عن السياسات الاقتصادية والمالية، التي أوصلت الوضع إلى ما هو عليه.
وكما كانت مسألة تخفيض عجز الكهرباء على جدول أعمال الاجتماعات السابقة، فإنه يتوقع أن يعاد طرحها على طاولة الحوار، وخاصة بعد تغاضي وزارة الطاقة عن توصية مجلس النواب بتعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، وكذلك عدم التزامها بخطتها القاضية بتخفيض العجز 250 مليار ليرة. وقد ناقشت لجنة الخبراء مسألة زيادة تعرفة الكهرباء.
لجنة الخبراء توصي بتحديد سقف لأسعار البنزين وبـ TVA تصاعدية


بالنتيجة، مهّد رئيس الجمهورية أمس إلى ما يمكن أن يصدر من مقررات بالإشارة إلى أنه «قد نشهد تدابير صعبة، لكنها ضرورية. فالمريض قد لا يعجبه طعم الدواء، ولكن يجب أن يتناوله كي يُشفى». كذلك شدد عون على أن «الوقت الذي نملكه ضيق من أجل المعالجة وسنتخطى الأزمة، إنما يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه المعالجة تأخذ بعض الوقت». أضاف: «وجّهنا الدعوة الى رؤساء الأحزاب اللبنانية لبحث الأزمة الاقتصادية، لأننا نعتبرها أزمة وطنية ولا يجب الوقوف عند الأسباب فقط على الرغم من أنها مهمة، إنما يجب أن نأخذ الإجراءات لنتحمل مسؤوليتنا، وهو أمر صعب بالفعل».
وفيما يتبين أن مهمة طاولة الحوار هي «توريط» كل الأطراف بالإجراءات الصعبة التي ستُتّخذ، فلا يحملها طرف واحد، تعتبر مصادر معنية أن مهمة هذه الطاولة هي وضع أسس التصحيح المالي والاقتصادي، من خلال التوافق على مجموعة كبيرة من القضايا، بما يساهم في تخفيف العبء عن كاهل مجلسَي الوزراء والنواب، كي لا يتكرر، على سبيل المثال، سيناريو الجلسات العشرين الذي عقدتها الحكومة قبل إقرار موازنة 2019، والتي شهدت تخبطاً وخلافات طاولت أعضاء الكتلة نفسها أحياناً. لكن في المقابل، ثمة من لا يرى أي ضرورة للحوار المقرر، ويعتبر أنه بعد الاجتماع المالي الذي عقد في بعبدا، كان يفترض السير على طريق تنفيذ ما اتخذ من قرارات، لا الاستمرار في عقد اجتماعات على مستوى القيادات، من الطبيعي أن تتكرر فيها الطروحات التي سبق أن تم التوافق عليها، واتخذ القرار بشأنها، كاستمرار الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة والاستقرار الائتماني، والمباشرة بمناقشة تقرير «ماكينزي» والملاحظات المقدَّمة عليه من الأطراف كافة، وكذلك البدء بوضع الآليات التنفيذية لمقررات مؤتمر سيدر.



مقررات الاجتماع المالي
للتذكير، اتُّفق في الاجتماع المالي، المنعقد في بعبدا في 9 آب الجاري، على:
ــــ إقرار موازنة 2020 في مواعيدها الدستورية، والالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019، والإجراءات المقررة فيها وتوصيات لجنة المال.
ــــ وضع خطة تفصيلية للمباشرة بإطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة في مجلس النواب والبالغة 3.3 مليارات دولار، بعد إقرار قانون تأمين الاستملاكات لها، إضافة الى مشاريع «سيدر».
ــــ الالتزام بالتطبيق الكامل لخطة الكهرباء بمراحلها المختلفة.
ــــ إقرار جملة القوانين الإصلاحية، ولا سيما منها: المناقصات العامة، التهرب الضريبي، الجمارك، الإجراءات الضريبية، والتنسيق مع لجنة تحديث القوانين في المجلس النيابي.
ــــ تفعيل عمل اللجان الوزارية، وخاصة في ما يتعلق بإنجاز إعادة هيكلة الدولة والتوصيف الوظيفي.
ــــ استكمال خطوات الإصلاح القضائي وتعزيز عمل التفتيش المركزي وأجهزة الرقابة، والتشدد في ضبط الهدر والفساد، والإسراع في إنجاز المعاملات.
ــــ إعادة النظر بالمؤسسات غير المجدية وإلغاؤها وفقاً لما تقرر في القوانين السابقة.
تلفت مصادر معنية خشيتها أن يؤدي اجتماع الاثنين (لن يؤجل موعده بالرغم من تزامنه مع يوم عطلة رسمية) إلى التركيز على توجهات معينة، مقابل التراجع عن سقف ما اتفق عليه سابقاً، بما يناسب مصالح هذا الفريق أو ذاك.