لم تخلُ التعليقات العبرية من رضى نسبي، آني، جراء فعل الاختباء والتحايل أمام ضربات حزب الله، وإن كانت الخشية كاملة، لا نسبية، من مرحلة ما بعد الرد، إذ لا تزال أسئلة المواجهة وأسبابها، من ناحية تل أبيب، مفتوحة بلا إجابات قاطعة.الرضى النسبي الإسرائيلي يعود إلى أن واحدة من النتائج التي خطّط لها حزب الله لم تتحقق، بحسب رواية تل أبيب، وهي سقوط قتلى من العسكريين الإسرائيليين. ومن شأن هذه النتيجة أن تؤثر سلباً في وعي الجانبين، وإن آنياً، وتحديداً الجانب الإسرائيلي الذي ركز معظم نقاشاته بعيداً عن البحث في السؤال الأول للمرحلة المقبلة: هل تمتنع إسرائيل عن مواصلة السعي لكسر قواعد الاشتباك في لبنان أم تتراجع وتنكفئ؟
لعل من مركّبات الإجابة عن هذا السؤال، الابتسامة التي أطل بها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو على الإسرائيليين لـ«يبشّرهم»، بعد انتهاء الرد، بأن لا قتلى بين جنوده. فهل كانت الإبتسامة نتيجة تجنّب سقوط قتلى أم بسبب تقلّص احتمالات المواجهة مع حزب الله، والتي عمل جاهداً لتجنّبها؟
مع ذلك، يتعين الوقوف طويلاً إزاء دلالات مقطع الفيديو الذي نشره نتنياهو في اليوم التالي للرد، أمس، وأكد فيه «مواصلة فعل كل ما ينبغي فعله من أجل المحافظة على أمن إسرائيل في البحر والبر والجو»، و«مواصلة العمل ضد تهديد الصواريخ الدقيقة». تأكيدات نتنياهو، وإن وردت في سياق تأكيد مواصلة «فعل ما ينبغي»، إلا أنها في الوقت نفسه لا تعني كذلك فعل «ما لا ينبغي».
هذا التصريح لرأس الهرم السياسي في تل أبيب - وهو لا يمكن إلا أن يكون كذلك بعد رد حزب الله وإصراره على الرد في حال معاودة الاعتداء - كان محل مقاربة الإعلام العبري، وهو ما وصفته صحيفة «هآرتس» بـ«معضلة إسرائيل»، وهي «المعضلة التي ستلازم أصحاب القرار في إسرائيل طويلاً: هل يشنّون هجوماً جديداً على الأراضي اللبنانية لمنع تعاظم قدرة العدو في المستقبل مع مخاطرة التسبّب في حرب شاملة؟».
المعضلة التي ستلازم إسرائيل طويلاً: كيف تمنع تعاظم قوة العدو من دون هجوم جديد على الأراضي اللبنانية؟


صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من جهتها، «بشّرت» الإسرائيليين بأن المسألة تتعلق بـ«جولة أولى في مواجهة حزب الله، وعلى ما يبدو لن تكون الأخيرة. فهي وإن انتهت بنصر تكتيكي (لا قتلى)، لكن من السابق لأوانه الاحتفال: فالخطط المحكمة التي فُعّلت في الحدث، ومن بينها تضليل العدو، تشير الى مشكلة في ردع إسرائيل، كما تشير إلى رغبتها في إنهاء الحدث بأسرع ما يمكن، من دون الدخول في جولة قتال مع حزب الله». وفي سياق تحليل الصحيفة، تصل إلى صعوبة الإجابة عن السؤال الأهم، حول ما سيواجه إسرائيل في المرحلة المقبلة: «لقد اختبر حزب الله أمس فشلاً تنفيذياً، لكنه نجح في تشويش الحياة في الشمال، والتسبب في إلغاء مناورة كبيرة للجيش الإسرائيلي، وتأجيل تغيير مناصب لدى القادة، وخرق سيادة إسرائيل على الحدود. المعنى: الردع الإسرائيلي لا يُرمّم فعلاً في حدثٍ وحيد، والاختبار الحقيقي سيكون ليس فقط في الحدث التكتيكي المقبل، بل في ما إذا كانوا (في إسرائيل) سيعودون للعمل، مثلما نُسب لإسرائيل، ضد مشروع الصواريخ لحزب الله».
أن تتمكن إسرائيل من تجنيب نفسها تلقّي واحدة من النتائج المخطط لها للرد، وهي سقوط قتلى إسرائيليين، من شأنه بثّ أجواء طمأنة آنية، وهو ما انعكس في الإعلام العبري أمس. لكن ماذا عن الاعتداء المقبل في حال قررت تل أبيب المخاطرة من جديد؟ هذا هو السؤال الأكثر حضوراً في تل أبيب لمرحلة ما بعد الرد، من دون إجابات قاطعة حوله.
مع ذلك، إن قررت إسرائيل الانكفاء، فستكون قد رضخت لقواعد الاشتباك نتيجة الرد، مع نجاح نسبي في تجنّب سقوط قتلى. لكن إن قررت الاعتداء من جديد، فستكون نتيجة الرد أول من أمس، كما تدّعي إسرائيل، سبباً في تعظيم الثمن واللاتناسبية، بين الاعتداء المقبل نفسه والرد الملزم اللاحق له.