43% من الاضطرابات الجسدية والنفسية التي تعاني منها النساء «سببها جنسي». هذه النتيجة انتهت إليها دراسات أجرتها منظمة الصحة العالمية أخيراً. وهي ليست خلاصة عابرة، بل أساس للبناء عليها والقول إن «الكثير من الأمراض العضوية والنفسية أساسها مشاكل واضطرابات جنسية». هذا ما تقوله الدراسات العالمية. أما ما يقوله الواقع اللبناني، فأكثر من ذلك، خصوصاً إذا ما بينت الأرقام أن نصف نساء لبنان يعانين من اضطرابات جنسية. لكنها تبقى طيّ الكتمان، لأن الجنس، في بلادنا، لا يزال «تابو».انطلاقاً من هذه الخلاصة، وتماشياً مع الواقع العالمي الذي يزداد وعياً بأهمية الصحة الجنسية، افتتح أمس «برنامج الصحة الجنسية المتكامل للنساء» (WISH) في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، بالتزامن مع اليوم العالمي للصحة الجنسية.
هاجس أساس طرحه اللقاء، الأول من نوعه في لبنان، وهو بحث ارتباط الصحة الجنسية بأساسيات الصحة العامة، ومسائلها التي تكتسب أهمية حيوية بالنسبة إلى النساء والرجال على حد سواء. أما لماذا خُصِّص البرنامج للنساء، فلأن المرأة، بحسب مدير البرنامج الدكتور فيصل القاق، «أكثر معاناة من الاضطرابات الجنسية، خصوصاً بسبب العنف الجنسي وتزويج القاصرات». وفيما تغيب الإحصاءات الدقيقة لاعتبارات كثيرة، يؤكد القاق «من دون كثير من المجازفة» أن «نحو 50% من نساء لبنان يعانين من اضطرابات جنسية»، مستنداً إلى «دراسات محددة ومعاينات للنساء استمرت عشرين عاماً». ثمة سبب آخر لـ«التخصيص»، هو أن المرأة «تبدي رغبة وحاجة أكبر في مناقشة صحتها الجنسية، وبيّنت الأبحاث أن 70 إلى 90% من النساء يشعرن بالراحة في مناقشة صحتهن الجنسية مع من يوفّرن الرعاية الصحية الخاصة لهن، واستعدادهن لقبول المشورة والعلاجات».
يعزو القاق أكثر المشاكل الجنسية إلى «الأمية الجنسية»، حيث «لا فكرة علمية هادئة ومتكاملة لدى الناس عن صحتهم الجنسية». والسبب هو الخجل وصعوبة التعبير عن المشكلة، ما يؤثر بطريقة الوصول إلى المعلومة السليمة. أضف إلى ذلك أن الصحة الجنسية حُصرت بالجماع والإنجاب، خصوصاً أن «للخصوبة قيمة عالية في مجتمعنا. لكن مع الوقت اكتشف الإنسان أن للجنس وظائف أخرى تسهم في تحقيق الاكتفاء العاطفي وتعزيز العلاقة بين الشريكين وتحقيق الرضى عن الذات».
ولأن الجنس «تابو»، ينسى كثيرون أن ثمة أرقاماً لا تبشّر بالخير في إطار موضوع الصحة الجنسية التي «إن أُهملت تؤدي إلى مشاكل عضوية وجسدية ونفسية تتطلب في الغالب علاجات». ومن هذه الأرقام التي بيّنتها منظمة الصحة العالمية، أن «70% من الاضطرابات الجنسية التي تعاني منها المرأة أساسها البرود جنسي وغياب الرعشة وضعف التواصل الجنسي والعنف الجنسي والمشاكل في الهوية الجنسية». وفي المقابل، هناك 30% من الرجال «يعانون مشاكل في الانتصاب والقذف المبكر وعدم التواصل مع الشريك والاعتناء به، ما يؤثر سلباً بالصحة النفسية والجسدية لكليهما».
لكل هذه الأسباب، كانت فكرة البرنامج للحدّ من «الأمية الجنسية»، على أن يقدم إرشادات نفسية وتثقيفية إلى جانب العلاجات الطبية للمشاكل الجنسية التي تبدأ من الولادة (في حال التباس الأعضاء التناسلية)، مروراً بمرحلة الطفولة والبلوغ، وصولاً إلى المراهقة التي تزداد فيها نسبة العلاقات الجنسية غير المحمية والأمراض المعدية والحمل غير المخطط له. كذلك يشمل العمل على تعزيز الصحة الجنسية خلال الحمل وبعد الولادة وخلال أزمة وسط العمر وبعد توقف الدورة الشهرية، وبعد الصدمات النفسية وخلال علاج الأمراض السرطانية وبعده. «الرسالة» التي يهدف إليها البرنامج، وفق القاق، «ضمان مساحة آمنة تساعد الفرد على تحديد خياره الجنسي بعيداً من الخرافات واللاعلمية التي تسود هذا الجانب».