مع اقتراب نهاية حياة بنيامين نتنياهو السياسية، بحسب تقدير مراقبين في اسرائيل، عمد أحد أهم خبراء الأمن القومي في تل أبيب، اوري بار يوسف، الى عرض خلاصة اجمالية لما آلت اليه اسرائيل على المستوى الاستراتيجي خلال أكثر من عقد في ظل قيادته. قارن بار يوسف بين تنامي التهديدات في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، وبين ما قدم نتنياهو به نفسه في مقابلة مع قناة «سي ان ان» الأميركية في كانون الثاني 2016، عندما سئل عن الإرث الذي سيتركه لمن سيخلفه. فأجاب «أريد أن يذكروني كحامي اسرائيل، يكفيني هذا». وفي محاكمة لأدائه والإنجازات التي يدّعيها، تناول بار يوسف تطور قدرات حزب الله العسكرية والصاروخية التي تحوّل معها الحزب الى قوة اقليمية، وأرسى معادلة حمت لبنان، وكانت جزءاً من معادلة اقليمية تمتد الى طهران. وتناول ايضاً، ما انتهت اليه حتى الآن مفاعيل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران، بتحريض من نتنياهو.رأى بار يوسف أن ما سيتركه نتنياهو لمن سيخلفه ليس إرثاً واعداً، وخاصة أن فشله لم يقتصر على مواجهة البرنامج النووي الإيراني، بل تعداه ايضاً الى العجز عن كبح تطوير قدرات حزب الله الذي «بنى خلال فترة حكمه الجزء الأكبر من ترسانته الصاروخية، وهدفت بشكل رئيسي الى ردع اسرائيل عن مهاجمة ايران». ولفت في السياق نفسه الى أن القدرات الصاروخية لحزب الله «تشكل في كل الأحوال أكبر تهديد عسكري لها (اسرائيل) على الإطلاق». وحذّر بار يوسف ايضاً من التهديد الإضافي الذي «تمثّله الصواريخ الدقيقة، والتهديد غير المسبوق الذي تشكّله على البنية التحتية الاستراتيجية القومية في اسرائيل». وهو بذلك كمن يلخّص نتيجة الصراع الذي خاضه حزب الله ضد اسرائيل في السنوات الماضية، واستطاع خلالها أن يفرض مظلّة ردع حمت لبنان ووفرت الحماية لبناء وتطوير القدرات العسكرية والصاروخية حتى وصلت الى ما هي عليه الآن.
في السياق نفسه، تناول خبير الأمن القومي، بار يوسف، ما سمّاه الكفاح الإسرائيلي المتواصل ضد بناء قدرات هجومية في سوريا والعراق ولبنان، واصفاً النتيجة العامة بأنها «شكّلت نجاحاً اسرائيلياً الى حد ما». مع ذلك أقرّ بار يوسف بأن طهران لن تتخلى عن جهودها في هذا المجال، محذّراً من أنه «إذا واصلت اسرائيل هجماتها الجوية، فسيزداد معها بشكل كبير خطر نشوب حرب». ويبدو أن هذه المخاوف ليست حكراً على بار يوسف كونه يتقاطع ايضاً مع تقدير رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية («امان»)، العميد بار شالوم، الذي عبّر عن المخاوف نفسها في مقابلة مع صحيفة «اسرائيل هايوم»، قبل أيام. ولم يستبعد شالوم ايضاً أن تؤدي مواجهة عسكرية ــــ في حال نشوبها ــــ الى استهداف وسط «إسرائيل». في المقابل، أقر شالوم ايضاً بأن ايران تنقل «قدرات متطورة الى سوريا» وشكلت «أطراً تنظيمية من شيعة وسنّة وغيرهم، وتعمل على نقل وسائل قتالية متطورة تتضمن صواريخ ومسيّرات وأموراً أخرى أكثر تعقيداً، وصواريخ جوالة»، محذراً من أنه «ممنوع التعامل مع القدرات الصاروخية في سوريا على أنها ستصدأ (كما سبق أن وصف موشيه يعلون صواريخ حزب الله بأنها ستصدأ في مخازنها قبل حرب 2006) حتى لا تتحول سوريا الى منصة للأسلحة ضدنا».
في سياق متصل، أقر مسؤول ملف ايران في شعبة الاستخبارات العسكرية، («امان»)، المقدم (ش)، في مقابلة مع موقع «واللا» العبري، بأن أعداء إسرائيل «ينجحون في تنفيذ جزء من خططهم وهذا خطر»، لكنه تجنّب وضع ترتيب للتهديدات الثلاثة التي تواجهها اسرائيل، بإجماع المؤسستَين السياسية والأمنية في اسرائيل «النووي الإيراني، دقة الصواريخ، والتمركز الإيراني في سوريا»، لكنه عاد وأوضح أن المطلوب من الاستخبارات متابعة ما يفعله العدو في ما يتعلق بالتهديدات الثلاثة، وتوفير ردود عليها.
في ما يتعلق بإيران، لفت بار يوسف الى أن جميع رؤساء الحكومة الذين تعاملوا مع التهديد الذي تشكله إيران، من إسحاق رابين، مروراً بإيهود باراك وآرييل شارون، وصولاً إلى إيهود أولمرت، أنهم جميعاً عملوا ضد إيران، لكنهم فضّلوا القيام بذلك بسرّ وخلف الكواليس. وهدفت هذه المساعي الى وضع ايران بين خيارين: إما الإفلاس الاقتصادي أو التخلي عن برنامجها النووي. لكن ما حصل مع نتنياهو، بحسب ما أضاف بار يوسف، أنه جعل اسرائيل تتصدّر واجهة الصراع ضد إيران، وهو ما رفع مستوى خطر المواجهة المباشرة. ولفت ايضاً الى أن تل أبيب كانت «محظوظة» لأن محاولات نتنياهو الثلاث لاتخاذ قرار بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية باءت بالفشل، انطلاقاً من أن ذلك كان سيجرّ «نتائج كارثية» على الكيان العبري.
الى ذلك، أضاف بار يوسف إن «الهجمات التي شنتها إيران على المرافق النفطية السعودية»، بحسب تعبيره، أظهرت «نقاط ضعف أساسية لحليفة إسرائيل السرية في الحرب ضد إيران». وتوقف عند ما سمّاه «رد الفعل الركيك» للرئيس الأميركي دونالد ترامب على هذه الهجمات، وهو الذي منحه نتنياهو صفة «أكبر أصدقاء إسرائيل على الإطلاق». وأضاف بار يوسف إن رد ترامب على الخرق الفاضح للخط الأحمر الأميركي تمثّل بإرسال «حفنة من الجنود لحماية السعودية وتكثيف العقوبات على إيران. من الممكن الافتراض أن هذا الرد البائس دفع دول المنطقة، أصدقاء الولايات المتحدة وأعداءها، على حد سواء، الى تكوين انطباع بأن أميركا أصبحت سنداً هشاً».
وخلص خبير الأمن القومي الإسرائيلي في ختام مقالته، الى أن جوهر ما سيتركه نتنياهو لمن سيخلفه: تهديد غير مسبوق على إسرائيل، وقدرتها على التعامل معه محدودة للغاية؛ وزحف متواصل لإيران في مسار تعاظم التهديد الذي تشكله على اسرائيل، وهامش مناورة اسرائيلية محدود، في هذا المجال. والسبب يعود بشكل أساسي، كما أكد بار يوسف، الى الخوف من حرب شاملة، ونتيجة الاعتماد على حليف يطوي مظلّته عندما يبدأ المطر بالانهمار. وبعد هذا العرض الاستدلالي، توّج بار يوسف مقاربته بالقول إن من المشكوك فيه أن يذكر التاريخ نتنياهو على أنه «حامي إسرائيل».