فخامة رئيس الجمهورية، الجنرال ميشال عون
تحية طيبة وبعد،

ورد على حساب الرئاسة اللبنانية على «تويتر» أن فخامتكم تبلغتم من رئيسة معهد العلوم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ليون، ماريون مارشال ــ لوبن وضع امكانات المعهد في تصرف «أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار». وأوضح الحساب أنكم استقبلتم لوبن ووفداً من المعهد وتباحثتم معهم في شؤون عامة. مناسبة تسليط الضوء على هذا الموضوع هو الضرر الكبير الذي سيلحق بلبنان والعهد، وبرسالة مركز الانسان للتلاقي والحوار، من جراء الشراكة، أو حتى مجرد التعاون مع ماريون مارشال ــ لوبن وما تمثل من توجهات مغرقة في العنصرية والتطرف اليميني، ومع جامعة خاصة أنشأتها مع مجموعة من أصحاب التوجهات نفسها. هؤلاء لا يؤمنون، نتيجة لنظرتهم التراتبية للشعوب والثقافات، النابعة من أيديولوجيتهم العنصرية، بالتلاقي ولا بالحوار، وإنسانهم هو الإنسان الأبيض. بقية الشعوب والثقافات إنسانية من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال. استعراض المواقف المعلنة لماريون مارشال ــ لوبن، ولهوية محيطها العائلي والاجتماعي الذي كان له أثر كبير في مسيرتها السياسية، لا يترك مجالاً لأي التباس بالنسبة الى تموضعها السياسي والفكري المتناقض جذرياً مع القيم الأخلاقية والسياسية التأسيسية لأي مشروع للتلاقي والحوار بين شعوب العالم. وهو تموضع يتعارض أيضاً مع المواقف الوطنية والقومية للعهد الجديد في لبنان برئاستكم، المناهضة لسياسات العدوان والاحتلال والهيمنة الأميركية ــ الاسرائيلية ومنطلقاتها العنصرية على المستوى الأيديولوجي والفكري.

ابنة أبيها وجدها
ماريون مارشال ــ لوبن هي ابنة يان لوبن، وحفيدة مؤسس حزب الجبهة الوطنية العنصري واليميني المتطرف، جان ماري لوبن. وعلى الرغم من أن سامويل مارشال، الذي تزوج والدتها سنتين بعد ولادتها، منحها اسمه، اختارت ماريون اسم لوبن عندما بدأت مسيرتها السياسية كعربون وفاء لجدّها ولخطه السياسي. عام 2013، كشفت مجلة «الإكسبرس» أن والدها البيولوجي هو روجيه أوك، الصحافي والدبلوماسي والرهينة السابق في لبنان، المتوفى عام 2014. اعترف أوك، في مذكراته التي صدرت بعد وفاته بعنوان «خدماتي السرية للجمهورية» (الترجمة الحرفية للعنوان هي «في الاستخبارات السرية للجمهورية»)، بأبوته لماريون، وبأنه تواصل معها مجدداً منذ عام 2002، وبات، بحسب تعبيره، «راعيها ومستشارها» أكثر من كونه أباها بالمعنى التقليدي للكلمة. لكن الكتاب تضمن اعترافات فائقة الخطورة عن دور أوك الحقيقي في لبنان والمنطقة. فهو أقرّ بأنه عمل لحساب المخابرات الاسرائيلية في لبنان وسوريا مقابل مبالغ من المال، وقام بمهمات مشابهة مع المخابرات الأميركية في العراق قبل غزوه عام 2003 وكذلك مع المخابرات الخارجية الفرنسية في أكثر من بلد. ومن الجدير ذكره هو أن هذا «الصحافي» عيّن سفيراً في إريتريا في عهد نيكولا ساركوزي، البلد ذي الموقع الاستراتيجي المهم على البحر الأحمر، وكان يحاول باستمرار، وفقاً لمصادر واسعة الاطلاع وعلى صلة بأوك، جمع معلومات عن شحنات أسلحة إيرانية مزعومة تصل بحراً الى السودان قبل أن ترسل الى غزة. لم يخف هذا الرجل يوماً اقتناعاته العنصرية، المعادية للعرب والمسلمين، والمنحازة بجنون إلى إسرائيل، إلى درجة أن قناة «تي في 5» الفرنسية اضطرت إلى سحبه من لبنان خلال تغطيته لعدوان تموز ــ آب 2006 بعد تقرير أرسله يبرر فيه مجزرة قانا الثانية، بذريعة أن حزب الله أطلق صواريخ على إسرائيل من جوار المنزل الذي قصف آنذاك. هذا أبو ماريون مارشال لوبن ومستشارها. أما جدها العنصري والفاشي، جان ماري لوبن، مجرم الحرب في الجزائر، والذي أسّس حزبه أولاً على قاعدة رفض وجود مهاجرين من أصول جزائرية في فرنسا، انتقاماً لهزيمة الأخيرة المنكرة على يد جبهة التحرير الجزائرية، فقد رأى في ماريون، وليس في ابنته مارين، التي سعت للتمايز الى حد ما عن مواقفه الاستفزازية والعنصرية الفجة، الوريثة الشرعية لنهجه. هي تقدم تعريفاً دينياً وإثنياً حصرياً لهوية فرنسا، وتعتبر لهذا السبب رمزاً للتيار القومي الكاثوليكي داخل جمهور الجبهة، أو التجمع الوطني كما أصبح اسمها، وترى أن التهديد الرئيسي لها مصدره الإسلام والمسلمين، وفي مقدمتهم أولئك المقيمون فيها. هي من أنصار فرضية «الاستبدال الكبير» التي روّجها الكاتب رونو كامو، أي تحول المهاجرين القادمين من بلدان الجنوب وأبنائهم تدريجياً الى أغلبية ديمغرافية على حساب «سكان فرنسا الأصليين» بفضل الهجرة المستمرة، وهي فرضية خرافية لا تستند الى أيّ أسس واقعية، ويرفض العديد من الخبراء الجديين القبول بمجرد مناقشتها بسبب شدة سخفها. مقاولة الهوية من الدرجة الثانية، أي ماريون لوبن، رأت في خطاب ارتكبته أمام مؤتمر المحافظين الأميركيين في شباط 2018، لتأكيد التهديد الذي تواجهه فرنسا، أن الأخيرة «بصدد التحول من الابنة البكر للكنيسة الى ابنة أخت الاسلام». ولتظهير ارتباطها بالتاريخ الاستعماري لبلادها، تقدمت في ايلول 2016 بطلب للانضمام الى الفوج 21 في البحرية الفرنسية لأنه، بحسب قولها، «قوة خدمت في المستعمرات سابقاً، وتقوم بالعديد من المهمات الخارجية». ستيفن بانون، مدير حملة دونالد ترامب الانتخابية وكبير الموظفين السابق في البيت الأبيض، ومستشار مرشحي اليمين المتطرف في العديد من البلدان، والمنسّق على نطاق دولي بين الكثير من أحزابه، وصفها بـ»النجمة الصاعدة» وأعلن نيّته إنشاء فرع لمؤسسته الاعلامية «بريتبارت نيوز» في فرنسا لدعمها. لم تتردد «النجمة» في الجهر بحماستها للعمل معه. ابنة عميل للموساد وحفيدة فاشي عنصري تسير على هديهما لا مكان لها في مركز للتلاقي والحوار بين الشعوب. هي أحد «الوجوه - البقايا» للغرب الاستعماري القبيح، المسؤول عن مآسينا، نحن وغيرنا من الشعوب التي خضعت لنيره في مرحلة من تاريخها، والذي لم ننته من مقارعته بعد. لا نريد هذه الفاشية الصغيرة بيننا.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير