«من بعد ما احترقنا، إجو طفّونا»، قالت إنعام عواد (64 عاماً) وهي تتفقد منزلها المحترق في الطبقة الأرضية من مبنى سكني على الطريق العام لبلدة الدبية. لم يخطر ببال «أم علي» التي نجت من ويلات الحرب الأهلية في ساحل الشوف، أن حريق حرج الصنوبر المجاور سيدمّر منزلها ويهجّرها إلى بيروت. عواد المنحدرة من جرد جبيل وزوجها المنحدر من بعلبك، قادتهما «الرزقة» إلى الدبية منذ 44 عاماً. لم تكن البلدة يومها على ما هي عليه الآن من تجمعات سكنية يقيم فيها سكان من بيروت وأعالي الشوف وبلدات الجنوب المحرر. كانت تجمّعاً للصنوبر والبلان، «وكانت الأرض رخيصة. سعر المتر بأقل من دولارين». صاحب المبنى الذي اشترت منه شقتها، نال ترخيصاً لتشييده وسط حرج صنوبر، على غرار التجمعات الأخرى التي يقع بعضها عند سفح الوادي. الصنوبر الذي لطالما تفاخر السكان بمجاورته، تحول إلى نقمة عند اشتعال الحريق. «عند منتصف ليل الإثنين ــ الثلاثاء، استيقظت على رائحة حريق وضجيج. فوجئت بتجمع للدفاع المدني والأهالي الذين تنادوا إلى العراء. قالوا إن النار تشتعل في أحراج المشرف المقابلة. لم تمر ساعات حتى اقترب الحريق من الدبية مع اشتداد الرياح. لجأت مع العاملة المنزلية إلى منزل ابني في بيروت. في الصباح، أبلغني أبو علي بأن شجرات الصنوبر خلف المنزل اشتعلت ليمتد حريقها إلى الداخل ويأتي على محتوياته». وهي كانت طلبت مرات عديدة من البلدية السماح لها بقطع الشجر الملاصق لنافذتها، لكنها قوبلت بالرفض. وتستدرك بأنها وجيرانها من تطفّلوا على الأحراج وليس العكس. تقول إن طواقم الدفاع المدني المحدودة لم تستطع «تلبية» جميع الحرائق التي اشتعلت دفعة واحدة، «فتأخروا في إطفاء حريقنا». يندب الزوجان جنى العمر الذي اشتريا به الشقة وافتتحا دكاناً عند مدخل المبنى. «من سيعوض علينا؟»، تصرّ على الاستفسار من أي كان. ظهراً، زارها فريق من بلدية الدبية مكلف بإحصاء الأضرار لرفعها إلى الهيئة العليا للإغاثة التي وعدت بالتعويض. لم يبرد قلبها كلياً. تدرك أن الدولة تتأخر في الدفع، وعليها «تدبّر الأموال سريعاً لإصلاح الشقة والعودة إلى السكن فيها بدل التنقل يومياً بين الدكان وبيروت».
واصلت طوافات الجيش تمشيط مواقع الحرائق ورش المياه لتبريد الأرض

مجمع «أبو عمر» السكني، المؤلف من سبعة مبان، كان محاصراً بالنيران التي فتكت بالأحراج التي تحيط به من كل جانب. معظم سكانه لم يعودوا حتى مساء أمس من منازل أقاربهم في بيروت، خوفاً من تجدد النيران. وقفت النيران عند حدود الشقق، وطالت محتويات بعض الشرفات والمعدات الخارجية. الأكثر حزناً كانوا أصحاب كروم الزيتون المترامية في أنحاء الدبية الذين سبقت النيران الكثير منهم قبل قطف الموسم. غادر النازحون صباح أمس مسجد الدبية وفندق «ألوفيرا» في الجية ومسبح الجسر في الدامور، عائدين إلى منازلهم، فيما واصلت طوافات الجيش تمشيط مواقع الحرائق ورش المياه لتبريد الأرض لمنع تجدد اندلاع النيران.
في مزرعة الضهر ومزمورة وبكيفا، تمكن الدفاع المدني ظهراً من إطفاء الحرائق التي طاولت خراج البلدات وأتت على بعض كروم الزيتون والعنب. أتت النيران على كرم «أبو دوري» في مزرعة الضهر. لا يذكر الثمانيني حريقاً مماثلاً شبّ في الأحراج، فقد «كانت قطعان الماشية، لا سيما الماعز، تتكفل بتنظيف الطبيعة من العشب اليابس، ولم نكن نشعل النار لدى هبوب الهواء». أما في الدامور، فلم يستفق الأهالي بعد من صدمة احتراق مبنى جمعية «أركنسيال» بالكامل. المبنى الواقع في خراج البلدة عند سفح حرجي، وخصوصاً قسم بيع المفروشات المستعملة، كان مقصداً للزوار من كل المناطق. الخسائر في المساحات الحرجية والأراضي الزراعية فادحة، وقد بدأت فرق البلدية منذ الصباح بإحصاء الخسائر بالتعاون مع الجيش.