وليد جنبلاط موضة بالية. مثل تلفون نوكيا القديم المعروف بـ«أبو لمبة» في مواجهة آخر صيحات «آيفون» و«هواوي»، يقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في مواجهة... التقدّم، ليس لجماعة أقليّة مثل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، بل للبنانيين جميعاً. هو طبعاً مثل غيره من زعماء الطوائف الذين يحتكر كل منهم صوت فئة من الشعب. لكنّه حالة جذّابة، وفريدة، لا بل تراثية.
(مروان طحطح)

في وليد جنبلاط تتوافر كلّ شروط الإقطاعي التقليدي؛ وارثٌ عن أبيه، ويجهد للتوريث. بلاطه وثير، يتّسع لوزراء و«باش كتبة» وأزلام... وهراوات في الزوايا. لديه رعيّة، خائفة ومقتنعة بأنه يحميها، فيقدّم الأرض للشعب ويأخذ منه التعب والولاء. يسمح للشعب بأن يعتاش، لكن إلى الحدّ الذي يبقى فيه عبداً، فقلب الإقطاعي تُرهبه الحرية. يقتل رعيته في الداخل، ويقاتل بها على حدود الإمارة. يسرق الخبز من بيوت الأبناء ويعيد توزيعه عليهم كجوائز، بعد أن يسرق بهم خبز الآخرين.
لكنّ سحر وليد جنبلاط، الذي يتفوّق به بأشواط على أقرانه من الإقطاعيين اللبنانيين، يكمن في قدرته على حلب نظام المحاصصة الطائفي المقيت والعفن، حتى آخر مواطن ومورد وفكرة، وفي الوقت ذاته، ضمير ميت، يسمح بادّعاء العفّة. إقطاعي الشوف وعاليه وسائر وادي التيم، يمسك بأعناق الدروز، بقبضة الخوف، وأعناق اللبنانيين بالنموذج وتمكين القسمة. ومثل إقطاعيي القرون الوسطى، يُعَمِّد تحالفه المقدّس مع إكليروس ديني، غريب عن الدروز، كان أبرز رموزه الشيخ الراحل علي زين الدين.
خلال الأيام الماضية، اقتنع وليد جنبلاط بأنه «ديموديه». وهذا الاعتراف الذاتي ليس دليل نبل، بل من صرخات الناس في كفرحيم وبعقلين وعاليه والمتن الأعلى، حيث خرج الناس مطلقين أوجاعهم للمرّة الأولى. حاول وليد جنبلاط أن يحتلّ الساحات، برعيّته، لكنّها تسرّبت إلى حيث يخرج الصوت، أي صوت، إلّا صوت الإقطاع هذا.
جنبلاط يحلب نظام المحاصصة اللبناني حتى آخر مُواطن ومورد وفكرة


وفي السياسة، يترك كعادته «إجر بالبور وإجر بالفلاحة». لا يخرج من الحكومة لكن يفعل كل شيء لتفخيخها. يبتزّ الرئيس سعد الحريري بالتلويح بكشف غطائه السياسي أمام الأميركيين والسعوديين والإماراتيين. يهاجم عهد الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل متناغماً مع التحركات في الشوارع، ليس دفاعاً عن الشعب، لكن عن الحصّة. يهاجم حزب الله في العلن، لكنّه حين يوفد ممثّليه إلى الضاحية الجنوبية، يطلب مساعدته لتحصيل الحصّة، التي انتزع باسيل جزءاً منها.
وليد جنبلاط هو «مُطبّع» الشعب مع ثقافة نظام المحاصصة الفاسد، في التعيينات والصناديق والخوّات والوساطات واللغة والخطاب والتبرير. وليد جنبلاط هو شاهنشاه الطائفيين. هو كلّ هذا في الماضي والحاضر، والآن، يرمي بنظره إلى المستقبل، معتقداً أن ما سيكون، كما كان.
لا، لن يكون لجنبلاط كانتون، ولو كانت الفوضى على الأبواب، وهو يعدّ العدة بالرجال والتخويف بحجّة منع حزب الله وحلفائه من السيطرة على الجبل. فلا الدروز بعد يُقْعَدُون في علبة، ولا اللبنانيون يقبلون بعد كلّ هذا الغلّ بأن يخرجوا من ظلامٍ إلى ظلامٍ أشدّ.