انطلاقاً من مبدأ «كلّن يعني كلّن»، الذي «برّر» شتم والدة جبران باسيل، واتهام رندة ونبيه برّي بالسرقة، ووصف العهد بأقذع الأوصاف، وشَمْل السيّد حسن نصر الله مع «كلّن»، قرّرت مُتظاهرة على أوتوستراد زوق مصبح التعبير عن رأيها، وحمل لافتة مكتوب عليها «سمير جعجع صهيوني». لافتة تعبّر عن رأي كاتبتها بسيرة رجل لم يستحِ يوماً بتاريخ حزبه ومسيرته خلال الحرب، وإن كان «يجنّ» اليوم لمَحوِ هذه المرحلة من ذاكرة الناس. كانت قناة «أم تي في» تنقل مباشرةً من الزوق، حين نالت الفتاة نصيبها من القمع «والتدفيش» لأنّها «تجرّأت» على تذكير جعجع بالتاريخ. تصرخ الشابة مُدافِعةً عن نفسها: «كلّن يعني كلّن»، ومتظاهر قواتي يرفع صوته بوقاحة، «ما تقولي صهيوني»، مُحاولاً أن ينزع بقوة لافتتها من يدها على مرأى من الكاميرات. لماذا أراد هذا الشاب المُنتمي إلى حزب يُنادي بالحرية والديمقراطية والتعددية إخراسها؟ لأنّ القوات اللبنانية بدأت محاولة فرض «وصاية سياسية» على التحرّك الاعتراضي، تحديداً في «المناطق المسيحية». تُشارك في التظاهرات من دون أعلام أو شعارات حزبية، ولكنّها جاهزة لـ«تصويب» آراء المُعتصمين بما يتناسب مع أجندتها. تعمل تحت شعار عام تستّرت به، هو مساواة «14 و8» بالسوء، ولكن تولي «اهتماماً» خاصّاً للشتائم تجاه جبران باسيل، وبثّ جوّ أنّ النبض الأكبر في الشارع ضدّ سلاح المقاومة وعهد ميشال عون. ساعدتها استقالتها من الحكومة لتوسّع انتشارها، وتعمل علناً على استقطاب الناس، لا سيّما بعد أن بات محازبو «القوات» أساسيين في تحديد الطرقات الحيوية التي ستُقطع وتوقيتها. ليل الأحد ــ الإثنين، كان هناك أشبه «بكلمة سرّ» بين القواتيين. عمّم بعضهم على بعض ضرورة تشديد الخناق وإقفال الطرقات الحيوية بطريقة مُحكمة، تمنع أياً كان من الوصول إلى عمله / مدرسته... فرضوا «سيطرتهم» على «الحواجز». أما في كسروان (زوق مصبح ــ غزير)، فمنذ اليوم الأول كان هؤلاء مُبادرين إلى إقفال الطرقات. هم يُشدّدون على أنّ دافع تحرّكهم ذاتي، كمواطنين يُطالبون بحقوقهم، وليس كحزبيين. ولكنهم ما لبثوا أن استعادوا هويتهم الحزبية عند «زكزكةٍ» بسيطة، كما حصل في الزوق مثلاً. بالنتيجة، لا يشذّ حزب القوات عن زملائه في السلطة، وإن قرّر أن يُخرج نفسه شكلياً من دائرتهم، بعدما حرموه «حصّته»: يتحسّس من أي انتقاد، ساعياً وراء طمسه. تُساعده بذلك إعلامياً قناة «أم تي في»، التي تُكمل بثّ رسائلها المُباشرة حتى ولو استغلها المتظاهرون لشتم والدة باسيل، ولكنّها تحجب الصوت عن متظاهر في وسط العاصمة قرّر أيضاً وصف جعجع بالصهيوني.مع تغلغلها أكثر فأكثر في الشارع، اعتبرت «القوات» أنّ حرب الشائعات ضدّها ستستعر، فحاولت الالتفاف عليها بتوزيع رسالة إلى جمهورها عبر «الواتساب». يتضمن التسجيل الصوتي تأكيداً لـ«الحفاظ على سلمية التظاهرات. قد تسمعون أنّ القوات تستغل الحراك لفرطه، إياكم أن تردوا على الاستفزازات… فليبقَ شارع الثورة، ولتستمر الثورة، فكلّما توقفت انفرطنا نحن، وكلّما استمرت نجحنا».
يقول سياسيون مُتابعون للأحداث الحالية إنّ حزب سمير جعجع يسعى إلى «الالتحاق بالحراك الاحتجاجي، والكَسب شعبياً. هو الأكثر قدرة على التنظيم، ولكن لم يظهر بعد أنّه تمكّن من التأثير في مجرى الأحداث». فعدا عن أنّه «وصل مُتأخراً بعد أن كان الشارع قد انتفض»، يوجد منحى جدّي لدى الناس «بنبذ الأحزاب، وإبقاء التحرك نظيفاً منها». لا يبدو هذا الكلام مُتطابقاً مع المشاهد التي تُنقل، أكان من غاليري سمعان، أم جلّ الديب، وزوق مصبح، وغزير، والبترون... عن هوية الذين يقطعون الطرقات، والعدد الأكبر ممّن تُستصرَح آراؤهم يُعبّرون عن ترحيبهم باستقالة الوزراء الأربعة من الحكومة، ويؤيدون سياسات قيادة معراب، وبدأوا بإطلاق شعارات سياسية تستهدف حزب الله وسلاحه. لا يوافق السياسيون والمُتابعون على ذلك، «الأكثرية ممّن نَزِلوا إلى الشارع لم يُلبّوا دعوة القوات أو غيرها».
«ما عم نركب موجة حدا»، تردّ مصادر نيابية في القوات اللبنانية، مُضيفةً أنّ «الحراك أصلاً أكثريته من جماعتنا، والمَطالب تُعبّر عن كلّ ما نُنادي به». قفزت القوات اللبنانية فجأة من الالتحاق بالاعتصامات إلى تبنّي أبوّتها. تعترف المصادر القواتية بأنّ التحرك «ثورة شعبية مُحقّة، أبداً لا نوجهه سياسياً، ولكن بالتأكيد لن نُحبّ أن يوجهه أحد إلى مكانٍ آخر». ماذا يعني ذلك؟ «إسقاط النظام». كيف؟ شعار «كلّن يعني كلّن»، ورفض وجود كلّ السياسيين، من أين سيأتون بالوزراء والنواب والمسؤولين؟».
القوات: نخاف من أن يذهب التحرك نحو المجهول


من الطبيعي أن تلجأ الأحزاب إلى «اختراق» التحركات الشعبية، ومحاولة توجيهها بما يخدم توجهاتها السياسية، لا سيما إذا كانت من دون قيادة. «نحن أكثر ناس مرتاحين لهذا الحراك، لا نحاول أن نُسيّسه ولا أن نستثمره، رغم خوفنا من أن يذهب نحو المجهول»، يقول مصدر قواتي. هل إقفال الطرقات يتمّ بقرار حزبيّ؟ يردّ المصدر بأنّ «السؤال عن وجود جهة تُنظّم إقفال الطرقات نطرحه على أنفسنا أيضاً، ولكن ليس نحن». في اليوم الأول «قسمٌ من شبابنا نزل من دون أن يأخذ رأينا، رغم طلبنا منهم التريّث. لم نقدر على أن نضبطهم». في الأيام اللاحقة، «أعددنا للاستقالة عبر دعوتهم إلى المشاركة في التظاهرات، لأنّه لم يكن من الممكن أن نتبنّى التحرك ونحن في الحكومة».
في الأشهر الماضية، كانت القوات اللبنانية تردّ على من يسألها عن سبب بقائها في الحكومة، بأنّها جربت المعارضة من الخارج ولم تجدها نافعة، وأنّ الأغلبية الحزبية تُفضّل البقاء في الحُكم. لعبة الشارع، وخوف «القوات» من انفلات جمهورها منها، وإيجادها الفرصة المثالية لإضعاف باسيل مسيحياً، بدّلت خيارها. من المُبكر الحسم إذا ما كانت ستكسب من هذه الخطوة. مصادرها تبدو واثقة من ذلك، ولكنّ المُعارضين لها يؤكدون: «إما أن يُشاركوا بالاحتجاجات من دون لافتتهم الحزبية، وإما أن يبتعد عنهم المعتصمون».