كرمالٍ متحركة، تتبدّل المشهدية التلفزيونية سريعاً. في اليوم السابع للحراك الشعبي، الذي ملأ الشاشات، من أقصى الشمال إلى الجنوب، انقسم الإعلام المحلي عامودياً، بشكل واضح هذه المرة، مع دخول عنصر جديد على المشهد، ألا هو تدخل الجيش لفتح الطرقات. بعد بقاء المؤسسة الأمنية بحكم الطرف المحايد والمتفرّج، أعطيت الأوامر لفتح الطرقات، من دون استخدام العنف. تجلّى المشهد في منطقتي «جل الديب»، و«زوق مكايل» على وجه التحديد، أو هكذا، نقل بعض الإعلام المشهد. هكذا، انطفأت التغطيات من مناطق واسعة من لبنان، وتركزت على هاتين المنطقتين مع «توغل» قناتي lbci وmtv داخل صفوف المعتصمين، الذين رفضوا فتح الطرق، ووقع تدافع وتلاسن مع القوى الأمنية. وظلّت otv، كقناة راصدة لهذا المشهد، عبر لقطة بعيدة، ونقلت الحدث عن زملائها الباقين، مع تعليق في أسفل الشاشة يتحدث عن «حق المواطنين بالمرور». القنوات المذكورة تندرج ضمن منظومة طوائفية تخضع لأحزاب عدة منها داخل السلطة كـ«التيار الوطني» المصوّب والمغضوب عليه حالياً، ومنها أيضاً «القوات» و«الكتائب» المندرجتين خارج السلطة. تشتغل أجندات هذه القنوات وتتلاقى «المؤسسة اللبنانية للإرسال» مع mtv، مع حصر التغطية للحراك في منطقتي «الزوق» و«جل الديب»، ولعب القناة البرتقالية بورقة الجيش، مع هجومها على المحتجين، ودفاعها عن وزير الدفاع الياس بو صعب، الذي اتُّهم بممارسة أعمال القمع. بدا الصوت أعلى على otv، رغم غياب كاميراتها عن الميدان، وذهابها حتى إلى اعتبار أن «اليهود لا يعاملون الفلسطينيين بهذه الطريقة» كردّ على الكلام الغاضب الصادر عن الشارع بحق الجيش. بقي هواء lbci لساعات متركزاً على «جل الديب»، و«تلاحم» مراسلها ادمون ساسين مع المعتصمين، إلى حين مجيء «البطل الثائر» سامي الجميل، مع مرافقيه، إلى هناك، وارتدائه العلم اللبناني، معلناً انضمامه إلى «الثوار»، ومعطياً الإشارة لهم بأن يفترشوا الأرض كما يفعل هو، كردّ على قرار الجيش.
وضعت «المنار» ثقلها في تغطية الاحتجاجات من أمام «مصرف لبنان»

على mtv، كان واضحاً التصويب على المؤسسة العسكرية، واعتبار أن ما حدث في الشارع يندرج ضمن «خطة ممنهجة». المحطة التي تُصنّف ضمن اليمين «المسيحي» تكتشف أخيراً الجياع، وتردد أصداء أصواتهم من الشارع. mtv التي تتصدر شاشتها عبارة «استقيلوا»، وتضع مقابل اللوغو «لبنان ينتفض»، تُظهر نفسها كـ«أم الصبي» التي ولدت «الثورة» من رحمها، لا سيما بعد استقالة وزراء «القوات»! إذاً، غابت طرابلس، وصيدا والشفروليه، وغيرها من النقاط الأساسية التي امتدت إليها التحركات الشعبية، وانحصرت التغطية بمناطق مطيّفة «مسيحياً»، فيما لم تركز «الجديد» ثقلها كما زميلاتها، على تلك البقاع، بل حشدت شاشتها لمجموع هذه المناطق، ما خلا «مصرف لبنان» الذي حظي بتغطية طفيفة هناك رغم اشتعال «المعركة» في تلك الأثناء. تغطية ظلت غائبة مقابل تمركز واضح لشاشة «المنار» من هناك. وضعت القناة ثقلها في تغطية الاحتجاجات من أمام «مصرف لبنان»، وأعطت حيّزاً للمستصرحين، مع طرحها أسئلة مباشرة حول الأداء الإعلامي لبعض القنوات، التي اتّهمتها بأنها تنفذ أجندات تحرّض على الجيش، وتدعو المحتجين لأن ينزلوا بأعداد أكبر إلى تلك المناطق، كي يحتكوا مع الجيش، مع المراهنة على انقسامه. على شاشة nbn، غُيّبت بشكل كلي المشاهد الحيّة من الساحات لصالح لقطات متفرقة بعيدة، من شوارع وأوتوسترادات مفتوحة مسالكها، مع تركيز أكثر على الجنوب، والمناطق السالكة هناك.
إذاً، توتر عالٍ ساد الميدان، فبدا المشهد كأنه ساحة حرب، ومواجهة مباشرة مع الجيش، وإجهاض حقيقي لجهود عملت قبلاً لمواكبة الاحتجاجات في كل المناطق. المراقب للشاشات اللبنانية، لا بدّ من أن يلحظ متاريس أعيد نصبها من جديد في ما بينها، وسط انقسام سياسي معروف. لكن اليوم تستثمر الورقة الطائفية بشكل أكبر، مع تسابق كل حزب على تسلّق«الثورة» والتخلص من كل تاريخه السياسي الحافل بالفساد، ضمن حفلات من الاستعراض أمام الشاشة وبين الجموع.



في عين العاصفة
مع تمترس الإعلام ودفعه أثمان اصطفافاته السياسية بعد الانقسام الحاصل في البلاد، سُجّلت حوادث كثيرة، تعرّض لها بعض الإعلام في تغطياته للحراك، ولعلّ المحطة التي نالت نصيباً أكثر من غيرها في التضييق وحتى الطرد من الساحات، كانت: otv، التي أخفت لوغو ميكروفونها بين الجموع، خوفاً على مراسليها. مع ذلك، تركز الهجوم عليها رغم محاولتها استيعاب غضب الناس في الشارع، واضطرارها في كثير من الأحيان إلى فتح الهواء لسماع انتقادات قاسية تساق بحق رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية جبران باسيل. القناة البرتقالية لم تكن وحدها في عين العاصفة. فقد كانت «الجديد» بدورها، تتلقى وابلاً من الهجوم عليها، إذ طُرد فريقها من مناطق متفرقة. قبل أيام، طرد مراسلوها من منطقة «محمرة» (عكار) وأمس، حطمت كاميرتها في النبطية وتم الاعتداء على فريق عملها هناك، ولا يخفى أن القناة تضع ثقل تغطيتها في المناطق الجنوبية لا سيما في «دوار كفررمان»، و«صور» و«النبطية».