مرات وفيرة جيء على تداول اسم ميشال إده مرشحاً جدياً للرئاسة. فاتحتها عام 1982. لسنة خلت، ايلول 1981، أخطره الرئيس الياس سركيس ان في الامكان العمل على ترشيحه. اضاف: «لديك حظ، لا تغادر البلاد. الانتخابات على الابواب». وقال انه سيسعى له او لرينه معوض - وكلاهما رفيقاه في كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف بين عامي 1945 و1948 - من دون ان يستبعد احتمال فوزه ما لم تحصل مفاجآت. قال ايضا ان بشير الجميل يفكّر بدوره في الرئاسة في ظل تغييرات يتوقّعها، لكنه مستعدّ لدعم ترشيحه اذا تعثّرت التغييرات هذه: «ليست لدى بشير الآن حظوظ بالفوز، لكنه لن يسمح لأي آخر سواك بأن يُنتخب».
في آذار 1982، أبلغ سركيس إده ان بشير فاتحه في امكان التمديد له سنتين فرفض بسبب مرضه. اضاف الرئيس بعدما لمس من قائد القوات اللبنانية تقديرا لإده: «اذا فيه انتخابات لن أمدّد، لكن بيمشي فيك بشير». لم يعدُ الامر اتفاقاً شفوياً بين سركيس وبشير.
في وقت لاحق دعا بشير إده الى غداء في منزله في الاشرفية. الى المائدة كرر موقف الدعم له: «لا حظ لي الآن، لكنك ستمهّد الطريق لي». تكررت من ثم لقاءاتهما وحضر عدداً منها زاهي البستاني.
طلب منه بشير مساعدته على التعرّف الى السفير السوفياتي الكسندر سولداتوف - ولم تكن ثمة معرفة سابقة بينهما - فجمعهما لاحقاً في منزله في اليرزة، في ايار 1982، واتاح لهما ان يختليا بعض الوقت. قال سولداتوف لصديقه الوزير اللبناني الموصوف بـ«الماروني الاحمر» من فرط ثقافته الموسوعية في الشيوعية والماركسية والصهيونية واليهودية: «حظوظك متقدمة. بشير لن يمر».
في 4 حزيران 1982 حصل الاجتياح الاسرائيلي حاملاً معه رياح التغيير التي كان ينتظرها بشير لتحمله الى الرئاسة. كان إده، لأيام قليلة خلت، في زيارة رسمية لموسكو. في 6 حزيران قفل عائداً الى لبنان بعدما استعجله رئيس الجمهورية ركوب اول طائرة: «عُدّ فوراً. هناك حرب».
فور هبوطه من الطائرة توجه الى قصر بعبدا. عند المدخل، الرابعة بعد الظهر، التقى بشير في بزّته العسكرية وكان في زيارة الرئيس، فبادره قائلاً بالفرنسية: «آسف ميشال. هذه المرة انا مَن سيكون». في 23 آب انتُخب بشير، وفي 14 ايلول اغتيل. بعد عشر سنوات، عام 1992، جمعت المصادفة في باريس إده بالسفير الاميركي السابق في بيروت جون غونتر دين الذي دعم انتخاب بشير بعد صدام مرير معه. قال دين: «هل تتذكّر؟ كان يمكن ان تكون انت رئيساً للبنان عام 1982».
تكرّرت الفرصة عام 1988 على ابواب الاستحقاق. كان احد ثلاثة اسماء في لائحة اتفق عليها الرئيس امين الجميّل وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع في اجتماعهما في القطّارة في تموز. الاسمان الآخران هما رينه معوض وبيار حلو. اللائحة نفسها تسلمها السفير الاميركي جون كيلي في ايلول لنقلها الى دمشق. اخفق انتخاب رئيس للجمهورية فدخلت البلاد في شغور طوال 13 شهراً.
المرة الثالثة كانت في تموز 1989، ابان الحكومة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون . نقل سامي الخطيب ومحسن دلول وميشال سماحة الى إده دعوة من رئيس الاركان السوري حكمت الشهابي للاجتماع به في دمشق، والتعرّف اليه: «هناك رئاسة والموضوع منته».
في الموعد المحدد في مقر الاركان في المزة، حضر الشهابي في ثياب مدنية، وكان اللقاء الاول بينهما.
بعبارات مجاملة استهل المقابلة: «نحن نقدّرك جداً وأصحابنا يحدثوننا عنك وعن مواقفك ضد اسرائيل. سيادة الرئيس يقدّرك ايضاً».
جوابه الطبيعي: «هذه اقتناعاتي. انا ضد الاسرائيليين، وهو موقف اساسي للموارنة، لكنني لست ضد اليهود. احبهم ولي بين اليهود الاميركيين اصدقاء كثيرون كدنيس روس ومارتن انديك».
عقب الشهابي: «نحن متفقون معك على كل شيء وإن شاء الله خيراً. لكن لدي سؤال واحد. ماذا ستفعلون مع حالة عون؟».
رد: «لا مشكلة معه».
سأل: «كيف؟».
قال: «ليس لدينا في لبنان ثقافة الانقلابات. ميشال عون ضابط وفي جيشنا انضباط. لا ثورات ولا انقلابات. ما ان يُنتخب رئيس جديد يعود الى ثكنته».
قال الشهابي: «ليس هذا رأينا».
سأل إده: «ما هو رأيكم؟».
أجاب: «لازم ينمعط قتلة».
سأل: «كيف؟ ومين بدو يمعطو القتلة؟».
قال: «نحن. لا يمكن ان يستمر، ونحن مَن سيضربه بعد ان نتلقى الامر من الرئيس».
بانفعال رد إده: «إياكم ان تفكروا في ذلك. كأنكم ستضربون الموارنة. قائده ماروني. لو كان 80% من عسكرييه من طوائف اسلامية، فهو عند الموارنة جيشهم. تضربون الجيش؟ لا احد يقبل بذلك، ولا انا».
سأل الشهابي: «هل هذا هو رأيك؟».
رد: «اكيد. هل تريدون ضرب الجيش اللبناني من خلالي، انا الماروني؟».
ختم الشهابي الحديث: «ليس هذا رأينا. سيادة الرئيس كان يعتزم استقبالك، وحجزنا لك جناحاً في فندق الشيراتون، وحددنا لك موعداً معه غداً صباحاً كي نعلن رسمياً تأييدنا ترشيحك. هل لا تزال على موقفك؟».
كرر تأكيده بعبارة: «لا تغلطوا ابداًج.
عقب الشهابي: «الوضع الآن تغيّر. سوف نرى. نتحدث في الموعد مع الرئيس لاحقاً».
في طريق العودة هطل عليه سامي الخطيب وميشال سماحة ومحسن دلول الذين كانوا يسوّقون ترشيحه بعبارات الملامة والغضب لإهدار الفرصة: «كان في امكانك ان تقول له أدرس الموضوع، أفكر فيه».
رد: «لا افكر فيه حتى. درسه يعني الموافقة عليه. غير وارد».
ختموا: «طارت الرئاسة؛.
بانقضاء شهرين، اواخر آب 1989، في ظل اشتعال الحرب بين ميشال عون والجيش السوري، عاود الثلاثة مكالمة إده: «العماد حكمت يريد الاجتماع بك مجدداً».
كانت تلك المرة الرابعة.
في الموعد الثاني طُرح الموضوع نفسه، وكانت مواقف الرجلين اياها من غير ان يتزحزح احد عن وجهة نظره.
اول اسئلة الشهابي: «هل لا تزال عند رأيك؟».
اعاد الجواب نفسه: «لا تفكروا في ذلك».
سأل: «ألن تغيّر؟».
قال: «لا تكسروا الجرة بين لبنان وسوريا بضرب الجيش».
على نحو مماثل انتهت المقابلة بسقوط إده في امتحان دمشق.
في وقت لاحق نُقلت اليه عبارة قالها عبدالحليم خدام امام حلفاء لبنانيين كانوا يحدثونه في انتخابات الرئاسة عامذاك قبل الوصول الى اتفاق الطائف. طرح وليد جنبلاط تداول اسم إده من بين مرشحين آخرين، فرد بسلبية: «لا. هذا كنيسة متجولة».
أفضى اتفاق الطائف الى انتخاب معوض رئيساً في تشرين الثاني 1989 بعد مفاضلة بينه والياس هراوي. في الاسبوع الثاني قصده إده لتهنئته. لم يكن انقضى ربع ساعة عندما تبلغ الرئيس المنتخب ان خدام اصبح في اهدن من دون موعد سابق. لم تكن ثمة مودة بين معوض وخدام عبّر عنها الاول بامتعاض وانزعاج ناجمين عن زيارة غير متفق عليها سلفاً. بعد ايام قليلة روى الرئيس المنتخب لإده وقائع من اللقاء العاصف مع نائب الرئيس السوري: «كان أحد أسوأ ايام حياتي. فلقني طوال 5 ساعات. تصوّر حاول طوال هذا الوقت يلح عليّ لإقناعي بإصدار أمر الى السوريين لضرب ميشال عون، بينما أنا أرفض قراراً كهذا».
سأله: «ألم تحكِ معهم بالموضوع قبل انتخابك».
رد بالنفي.
إده لكنعان: اربع خمس مرات رئيساً في الجيبة؟ هذه جيبة مفخوتة


قصّ عليه إده فحوى مقابلتيه مع الشهابي في تموز وآب المنصرمين.
عقب الرئيس: «لا تخف، علاقتي جيدة بالرئيس حافظ الاسد. سأحدّثه في تعيين فؤاد بطرس وزيراً للخارجية. اعرف انهم يكرهونه، لكنني سأتدبر الامر مع الاسد».
كان معوض، عشية انتخابه في القليعات، اجتمع سراً بالاسد في دمشق وناقشا المرحلة التالية.
في باريس تلقى إده نبأ اغتيال الرئيس، صديقه طوال 44 عاماً: «في ظن رينه واعتقاده ان الرئيس السوري ضمانه. ربما فكّر السوريون انه - بعدما أيدوا انتخابه - لن يرفض طلبهم ضرب عون عسكرياً. لو قبلتُ أنا لما قُتل هو، وربما لما صار رئيساً. عندما قلتُ لهم لا، لم أُقتل. حينما قال هو لا قُتل. حظي احسن من حظه».
خامس المرات عام 1998، قبل حسم دمشق في تشرين الاول خيارها تسمية قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً. قبل موعد قمة لبنانية - سورية في دمشق في ذلك الشهر، فاتحه الرئيس الياس هراوي - العارف بحماسة السوريين لانتخاب لحود - بسعيه في القمة تلك الى تعطيل رسو الخيار على قائد الجيش: «عندما اتلقى خبراً بموعد لقائي به سأسارع الى طرح اسمك».
بعد الظهر، في طريق عودته من دمشق، خابر هراوي إده: ««أصر على ان يكون هو رئيساً ولم يقبل بأي اسم آخر، حتى انت».
بعد سنة زاره اللواء غازي كنعان الذي كان يفضّل زيارته في اليرزة لا استقباله في عنجر: «كادت الرئاسة تصل اليك. كانت في جيبك».
اجابه: «اربع خمس مرات في الجيبة. هذه جيبة مفخوتة».
قال كنعان: «كنا نريدك انت، لكن حصل صراع تركي - سوري حول عبدالله اوجلان. لم نكن نود مشكلة مع الاتراك ولا ان تصل تداعيات نزاعنا معهم الى لبنان، فقرر الرئيس الابقاء على لحود».
في المرة السادسة، عشية انقضاء ولاية رئيس الجمهورية عام 2007، تدخّل وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير في وساطة تجنب البلاد شغوراً رئاسياً جراء تعذّر الاتفاق على رئيس يخلف لحود. عُهد الى البطريرك الماروني مارنصرالله بطرس صفير وضع لائحة بأسماء مرشحين محتملين يحملها جان كلود كوسران باسم كوشنير الى الرئيس السوري لاختيار اسم من بينها، كان إده احدها.
حينذاك اجتمع إده بسعد الحريري، رئيس الغالبية النيابية، في حضور فريد مكاري، مرتين على التوالي. السؤال المحوري الذي ألح على حصول جواب عنه كي يؤيد ترشيحه: «هل تعطيني ضماناً بعدم اطلاق الضباط الاربعة (المشتبه في اغتيالهم الرئيس رفيق الحريري)؟»».
جواب إده: «ألتزم ما يقرره القضاء اللبناني. ألتزم عدم التدخّل لديه، لكن ما يقرره احترمه واطبقه».
كرر الحريري تأكيد عدم اطلاقهم اياً تكن الاعتبارات، فأكد إده الجواب نفسه: «المسألة ليست عند رئيس الجمهورية ولا صلاحية له في ذلك. انها مهمة القضاء المستقل عنه».
اخفق اتفاقهما رغم معرفة الحريري بأن الرجل هو المرشح الاول للبطريرك الماروني في مرحلة كان رئيس تيار المستقبل يجامل سيد بكركي، ويحرص على التواصل معه ونيل دعمه.