«... وزراؤنا لن يمارسوا حتى تصريف الأعمال»، قالت الأمينة العامة للقوات اللبنانية، في 20 تشرين الأول الماضي، لقناة «بي بي سي عربية». كلامٌ يندرج في خانة «الفايك نيوز» (الأخبار الزائفة). فوزراء القوات اللبنانية يُمارسون تصريف الأعمال، ويوقّعون البريد «العاجل» الخاص بوزاراتهم. وزير الشؤون الاجتماعية، المستقيل، ريشار قيومجيان، وقّع، مثلاً، العقود الخاصة بالجمعيات وكيفية توزيع المساهمات. «طيف» الوزراء الأربعة لم يُغادر المكاتب الحكومية. ما زالوا جاهزين لـ«تحريض» الموظفين على الاعتصام ورفع الصوت، «انتصاراً لمطالبهم». العبارة الأخيرة، غير دقيقة أيضاً. فالأصحّ أنّ «القوات» تستغلّ حاجات الموظفين الاقتصادية، لتصفية حسابات إدارية، وزيادة رصيدها السياسي. الحديث تحديداً عن وزارة الشؤون الاجتماعية.أول من أمس، نُشر بيان لموظفي مشروع الاستجابة لأزمة النزوح السوري في «الشؤون»، يُفيد بأنّهم «بصدد التحرك والاعتصام أمام مبنى الوزارة، والتوجه إلى اتخاذ خطوات تصعيدية في حال عدم صرف الرواتب المتراكمة منذ بداية 2019 حتى اليوم». واتُّهم المدير العام للوزارة القاضي عبد الله أحمد، بأنّه «يتمنّع عن توقيع الإحالة الخاصة بصرف الرواتب، علماً بأنّ العقود موقّعة من قبل الوزير الدكتور ريشار قيومجيان، وهي مستوفية جميع الشروط القانونية، والأموال موجودة ضمن اعتمادات حساب الوزارة في مصرف لبنان، بعد التوقيع عليها، بالمرسوم الرقم 5725 الصادر عن مجلس الوزراء». واضح من البيان أنّ جهة رسمية في الوزارة أوضحت للموظفين أنّ الوزير حريص على حقوقهم، ويريدهم أن يقبضوا مستحقاتهم، ولكن يأتي من يمتنع عن ذلك. الاعتصام موجّه ضدّ المدير العام، الذي «يصدف» أنّ علاقته بالوزير غير جيدة، منذ دخول الأخير إلى «الشؤون».
ولكن، لماذا يرفض عبد الله أحمد التوقيع؟ ينفي الأخير في اتصال مع «الأخبار» ذلك، موضحاً أنّ قيومجيان اتصل به الأربعاء الماضي، وبمعرض الحديث جرى تناول موضوع المتعاقدين، «فأبلغني بأنّه وقّع العقود وأحالها على القلم المُختص لتسجيلها. وحين أوضَحتُ له أنّه يجب أن أضع توقيعي عليها بدايةً، ردّ بأنّه لم يكن يعرف ذلك. طلبت منه إرسالها إليّ لأؤشّر عليها، حتى تأخذ مسارها الإداري القانوني، ولكن حتى اليوم لم أتسلّم العقود». يؤكد عبد الله أحمد أنّ الاعتمادات المُخصصة للمتعاقدين موجودة، ولكن حتى تُصرف هي بحاجة أيضاً إلى توافر شرط ثاني. فعلى كلّ الموظفين المتعاقدين تقديم تقرير مُفصّل عن عملهم، يؤكد تغطيتهم المهام التي أوكلت إليهم، وبناءً عليه تُحوّل عقودهم إلى مصلحة المحاسبة. الإدارة في الوزارة لم تتسلّم أي تقرير عمل.
امتناع الوزير عن إرسال عقود المتطوعين إلى المدير العام مُستغرب. هل يُحاول إخفاء تفاصيل ما، كإدخال تعديلات على عقود العمل أو إبرام عقود جديدة خلافاً للقانون؟ «الأخبار» اتصلت بقيومجيان، لكنّه لم يردّ. الجواب أتى من مسؤوله الإعلامي: «نعتذر منك... مش قادر».
«خطة لبنان للاستجابة لأزمة النزوح السوري»، بدأت في الـ 2017 وتنتهي سنة 2020، تُدار بصيغة «التطوع». الهدف من المشروع بناء قدرات وزارة الشؤون الاجتماعية لتمكينها من تقديم الخدمات للمواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين، وتحديداً في ما يتعلق بحماية المرأة والطفل. قرابة الـ 120 شخصاً، هم المتعاقدون مع «الشؤون» في المشروع، يتوزعون في مختلف المناطق اللبنانية، وخاصة في البلدات التي تستقبل العدد الأكبر من النازحين.
لم يُرسل قيومجيان عقود المتعاقدين إلى المدير العام ليضع توقيعه عليها

برز الخلاف الإداري بين قيومجيان وأحمد حول المتقاعدين، بالتزامن مع قيام اللجنة التسييرية لتقييم أداء برنامج الاستجابة للأزمة السورية بتقييم أداء البرنامج ونتائجه والتحضير للتعديلات التي قد تطرأ على الخطة لعام 2020. خلافاً للأصول الإدارية، ولِما كان عليه الوضع أيام الوزير السابق بيار بو عاصي، مُنع المدير العام من الاطلاع على خطة العام المُقبل، أو مناقشة التوجهات العامة للإدارة والحاجات مع المنظمات الدولية، وحُصر الأمر بيد مستشار الوزير، روبين صغبيني، بحجة أنّه «المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية»، علماً بأنّ أحمد سبق أن اعترض في آذار الماضي على تسجيل مراسلة تعيين صغبيني في مصلحة الديوان في «الشؤون»، لأنّها تمّت من دون علمه، وهو لا يزال رافضاً تنفيذ القرار، ما يعني أنّ صغبيني يمارس مهامه خلافاً للأصول. وزير الشؤون الاجتماعية قرّر احتكار التواصل مع الدول الأجنبية، والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، مُتخطياً الإدارة. لا يخفي ذلك، ويُبرّر (في مقابلة سابقة مع «الأخبار» عدد 18 حزيران 2019)، بأنّه «حتى لا يفتح كلّ مسؤول أو رئيس مصلحة علاقة مع السفارات أو منظمات الأمم المتحدة».
قبل استقالة وزراء «القوات» بأيام قليلة، وصلت خطة الاستجابة لأزمة النزوج السوري لعام 2020 إلى مكتب المدير العام، موقعة من الوزير. تقول مصادر مُطلعة إنّ عبد الله أحمد طلب ردّها، لأنّها «تتضمن مغالطات عدّة، وعدم وجود معايير واضحة لكيفية اختيار المستضعفين في المجتمع والخدمات وطريقة تقديمها، والأهم خرقها واحداً من أبرز مُبرّرات وجودها، وهو تركيزها على تمكين النازح السوري مقابل خفض الاهتمام بالمجتمعات المضيفة». وبحسب المصادر، تتضمّن مسودة خطة الـ 2020 «وظائف جديدة، خلافاً لقانونَي الموازنة العامة وسلسلة الرتب والرواتب اللذين يمنعان التوظيف، قبل الانتهاء من المسح الشامل للوظائف المطلوبة في الدولة».