في الأيام الماضية، ضجّت وسائل إعلام متنوعة بأخبار مصدرها قيادة الجيش ومديرية المخابرات، تتحدّث عن امتناع وزير الدفاع الياس بو صعب عن توقيع نتائج مباراة المدرسة الحربية. التدقيق في هذه الاخبار يُثبت صحتها وخطأها في آن. فما طلبته قيادة الجيش من الوزير لم يكن توقيع نتائج المباراة، بل أصل فتح باب قبول الطلبات للمباراة المحصورة بالعسكريين. فالجيش فتح باب ترشّح العسكريين في المؤسسة العسكرية وسائر المؤسسات الأمنية، للتطوع بصفة تلميذ ضابط في «الحربية»، وأجرى المباراة، وثبّت نتائجها، قبل ان ينال توقيع وزير الدفاع على بدء قبول طلبات الترشّح. أصل المشكلة، من جهة وزير الدفاع، أن مجلس الوزراء قرر عدم إجراء مباراة لتطويع تلامذة ضباط، ربطاً بقرار وقف التوظيف في القطاع العام. وسبق للحكومة ان قررت أن فتح أبواب المدرسة الحربية يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء. في الجيش، يتذرّعون بأن المباراة محصورة بالعسكريين، وهي بالتالي لا تكلّف خزينة الدولة أي نفقات إضافية. فيرد بو صعب بأن تطويع عسكريين بصفة تلامذة ضباط سيكلّف الخزينة اعباء إضافية بعد ثلاث سنوات. وتضيف مصادر وزير الدفاع ان القرار الذي طلبت منه قيادة الجيش التوقيع عليه يتضمّن مخالفات عديدة أبرزها:اولاً، تطلب القيادة التوقيع على قرار يجيز فتح باب قبول الترشح، فيما فُتِح الباب وأقفل وأنجِزت المباراة وصادق المجلس العسكري على نتيجة قبول 128 تلميذ ضابط.
ثانياً، في القرار نفسه، تطلب قيادة الجيش الموافقة على قبول طلبات ترشيح تصفها بأنها «تخالف نظام قبول الترشيح للمدرسة الحربية»، وخاصة لجهة أعمار المرشحين والعلامات التي نالوها في شهادة البكالوريا.
وتؤكد مصادر بو صعب أنه لن يوقّع هذا القرار المخالف، وأنه لأجل ذلك اقترح على قائد الجيش نيل موافقة رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، للسير بالقرار.
هذا الخلاف بين الفريقين ليس الاول. تعود المشكلة بين قيادة الجيش ووزارة الدفاع إلى أشهر خلت، شهدت العديد من التوترات. للمفارقة، أولى «المعارك» نشبت بسبب العقيد في استخبارات الجيش، العقيد نضال ضو (الموقوف في قضية قتل علاء أبو فخر). فبو صعب اتهم ضو، قبل أشهر، بتضليل الجيش على خلفية «اشتباك» حصل بين مناصرين للنائب طلال ارسلان وآخرين يناصرون النائب السابق وليد جنبلاط في الشويفات. حينذاك، بدا الجيش كمن يخوض معركة «كسر» ارسلان، فتصدى بو صعب لذلك. قبل ذلك، كان وزير الدفاع قد طلب من الجيش إعداد مشاريع مراسيم تطبيقية لقانون الجيش (7 مراسيم تنظّم عمل كل من: قيادة الجيش، المديرية العامة للإدارة، المفتشية العامة، الغرفة العسكرية، المجلس العسكري، المجلس التأديبي، لجنة التحقيق). وافق العماد عون على 6 مشاريع مراسيم، إلا أنه رفض إقرار مشروع مرسيم تنظيم صلاحيات قيادة الجيش. قيل له إن هذا المشروع، وفي حال صدوره بمرسوم، سيحرم قائد الجيش من الصلاحيات الاستنسابية التي يمنحه إياها غياب النصوص القانونية الواضحة. ورغم إصرار الوزير على إنجاز المشاريع، استمر قائد الجيش بالتهرّب من ذلك.
أمر آخر أثار الحساسية بين الوزير و«القائد». قبل انطلاق الانتفاضة الشعبية بأسبوع، طلب رئيس الحكومة من وزيري الدفاع والداخلية تزويده بتفاصيل عن كيفية استهلاك المؤسسات العسكرية والامنية للمحروقات: الكمية الإجمالية، الكمية التي تستهلكها الآليات العسكرية، الكمية التي تستهلكها السيارات «السياحية»... منذ 11 تشرين الاول، لم تلبِّ قيادة الجيش طلب الوزارة المبني على طلب رئاسة الحكومة. كذلك كان مصير طلب رئاسة الحكومة معرفة تفاصيل عن عديد العسكريين، لتحديد عدد الذين جرى تطويعهم عام 2018.
في المحصلة، تبدو القضية بين الطرفين أكبر من «مباراة» في المدرسة الحربية ومن كمية الوقود المستهلكة في الجيش. المشكلة في أن قيادة الجيش اعتادت، منذ ما قبل الحرب الاهلية، على انها سلطة قائمة بذاتها ولا سلطة فوقها. وللمرة الثانية على التوالي، يصل إلى اليرزة وزير «يدقّق»، ويصرّ على ممارسة صلاحياته، فيقع الخلاف بين الجارَين.